الأحد , 5 مايو 2024

د.علا المفتي تكتب: ماما أنا عاوز أعيش في أمريكا

= 1617

ola-el-mofty


ماما أنا عاوز أعيش في أمريكا ..هكذا فاجأ الطفل الذي لا يتجاوز عمره العشرة أعوام ، أمه معترضا على واقعه. فلقد تكشف العالم بجلاء أمام أطفالنا ،من خلال التقدم التقني الهائل ،والسماوات المفتوحة ،وأصبح من اليسير على الصغار المقارنة والنقد والاختيار ،لطبيعة الواقع الذي يرغبون في معيشته. 

وفي الوقت الذي يسعى الآباء لتشكيل هوية وانتماء طفلهما ،للمجتمع الذي نشأوا فيه ،تأتي التكنولوجيا بما تحمله من خير وشر ،لتشده بعنف خارج نطاق ثقافة مجتمعه ، حيث يتعرض لمصادر المعلومات التكنولوجية الحديثة متمثلة في وسائل الإعلام والاتصال، وخاصة القنوات الفضائية وشبكة الإنترنت والهواتف الذكية. حيث يصفها (هادي الهيتي) بنوافذ العولمة الإعلامية والمعلوماتية. ويذكر إن مسارب العولمة ونوافذها الإعلامية تشكل طوفانا لم يسبق له مثيل في التاريخ، فآلاف المحطات الفضائية تتزاحم في الفضاء حتى يضيق بها سعته. 

والطفل الذي يتابع الشاشة أو الحاسوب أو الهاتف الجوال المتصل بالإنترنت يكون أكثر تأثرا والتصاقا بهم من الكبار، حيث إنهم يشكلون بنيته الثقافية. وإن من يسيطر على المعلومات فإنه يسيطر على تشكيل العقل الحديث وما يتبع هذا التشكيل من قيم وسلوكيات. مما يؤدي إلى إصابة الطفل بما يسمى الاغتراب الثقافي. 

وقد عرف قاموس علم الاجتماع الإغتراب ،على أنه هو الحالة التي تسيطر على الفرد سـيطرة تامة ،تجعله يشعر أنه غريب و بعيد عن بعض نواحي واقعه الاجتماعي. ومن أهم مظاهره اضطراب الهوية الثقافية، و يعرفها إريكسون ،أنها عملية متعلمة من الواقع الثقافي ،و الاجتماعي الذي يعيشه الفرد في مجتمعه ،و أن حـالات التمرد و الخروج عن الأعراف و القيم ،إنما تعبر عن أساليب الرفض الثقافية للمجتمع بـل و الشـعور بالغربـة والاغتراب ،و مد صور رفض الهوية الثقافية في إظهار سلوكيات غير مألوفة في ثقافة المجتمع.

ومـن الآثـار السلبية المترتبة عليها ،ظهور العديد من السلوكيات غير المقبولة مثـل العزلـة وعدم المشاركة في المسؤولية الجماعية ، و تمركز حول الذات و الانغلاق في دائرة الأهداف و المصالح الشخصـية دون المصالح العامة و رفض القوانين و المعايير الاجتماعية و الثقافية.

لذا فإن تشكيل ثقافة الطفل، هي إحدى الوظائف الهامة للتربية، ذلك لأن الطفل هو حجر الأساس في بناء مستقبل المجتمع. وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال يفرض نفسه، وهو كيف تشكل وسائل الإعلام والاتصال- ثقافة الطفل؟ وللإجابة على هذا السؤال يجب الرجوع إلى عناصر ثقافة الطفل (العموميات – الخصوصيات – البديلات)، وخصوصا عنصر بديلات الثقافة، الذي يتمثل فيما تقدمه العولمة عن طريق وسائل الإعلام والاتصال، من ثقافات مغايرة لثقافة مجتمع الطفل. 

فعندما يتعرض الطفل لهذه الوسائل، يحدث اتصال مباشر أو غير مباشر بين ثقافة الطفل والثقافات الأخرى، وتنشأ نتيجة لذلك الاتصال عناصر جديدة تدخل في ثقافته، حيث تصبح جزءا من خصوصيات هذه الثقافة، ثم قد تتحول فيما بعد إلى عموميات، بمرور الزمن واتساع انتشارها بين الأطفال. وإن لعنصر بديلات الثقافة أهمية كبيرة في إثراء ثقافة الطفل، إذا ما نقلت له بحرص.

مما سبق يتضح لنا أن تنشئة الطفل الثقافية في ظل العولمة، يجب أن تبتعد عن القوالب الثقافية الجامدة، مع الانفتاح على ثقافات الآخرين، ويبرز هنا دور التربية التي تعمل على إيجاد الانسجام والتوازن بين ثقافة الطفل الأصلية والثقافة الأجنبية. عن طريق إعادة صنع عقل الطفل وتدريبه على النظرة الناقدة وأننا بشر مثل باقي البشر، لنا مميزاتنا وعيوبنا ومشاكلنا، وأن ثقافتنا تحتاج إلى التطوير، كما أننا نعيش في عالم واحد مما يؤكد مصير الإنسان المشترك.

———–

* مدرس أدب وثقافة الطفل بجامعة عين شمس.

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: فجوة بين الشباب ورجال الدين

عدد المشاهدات = 12452 منذ فترة طويلة وانا اشعر بوجود فجوة عميقة فى العلاقة بين …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.