الأحد , 5 مايو 2024

د.علا المفتي تكتب: “كهف الكنوز”!

= 1399

هذا الشخص المتأهب للقفز، الذي يقف على قمة عالية جدا لجبل شامخ، متطلعا إلى الوصول لقمة عالية أخرى لجبل آخر أكثر شموخا، ولا يفصل بينهما إلا بضع أمتار، امتلأت بمياه عميقة لبحر ثائر، ترى ما الذي يشعر به أو يفكر فيه في تلك اللحظة الفارقة؟ وما الذي دفعه للوقوف بتلك النقطة؟ وأي شيء ولد فيه تلك الرغبة؟

أهو خائف أو متردد؟ هل يفكر في أن يهم بالقفز الآن، أم أنه لايزال ينتظر اللحظة الحاسمة للقفز؟ هل هو مجبور على الوقوف ها هنا، أم أنه ذهب لتلك النقطة باختياره المحض؟ هل يفكر في لحظة وصوله للقمة التي ينشدها، أم أنه يفكر في مياه البحر وأمواجه المتلاطمة، التي ستبتلعه إن زلت قدماه وخانه تقديره في حساب المسافات؟ هل هذا الشخص متهور أم شجاع؟

إنها أسئلة طالما أرهقت عقلي، كلما شاهدت مغامرا يفعل شيئا غير معتاد أو مألوف. لكنني دائما انتظر حتى أرى نتيجة المغامرة، فإن نجح المغامر حسدته على شجاعته وإصراره، وإن فشل شعرت بالصدمة والإحباط ووصفته بالجنون.

لكن المغامرين على مر الزمن والتاريخ، هم من استطاعوا أن يغيروا مجرى حياتهم، بل ومجرى حياة البشر في كثير من الأحيان. فإنه يفوز باللذات كل مغامر، ويموت بالحسرات كل جبان.

إن الحياة تحمل الكثير من المواقف، التي تضعنا أمام أنفسنا لنكتشف، هل نحن من فئة المغامرين الذين يؤثرون في الحياة ويرسمون طريقهم بأيديهم، أم أننا من هؤلاء الذين يتركون أنفسهم للحياة، كي تسيرهم كما شاءت؟ هل نمتلك تلك الشجاعة والقدرة على التحدي، لاقتناص الهدف، أم نؤثر السلامة ونكتفي بالعيش في دائرة الأمان الراكدة، التي لا جديد فيها ولا تطور؟

إن لحظة اتخاذ قرار المغامرة، لحظة فارقة في عمر الإنسان. إنها لحظة مضنية تملؤها الصراعات والأفكار المتضاربة، لحظة كاشفة للذات، فقد تصدمك في نفسك أو تجعلك فخورا بها. لكن عليك في كل الأحوال أن تصل إلى قرار، “فإما أن تكون أو لا تكون تلك هي المشكلة”، هكذا لخص لنا المسألة “هاملت” بطل أشهر مسرحية من مسرحيات الكاتب الإنجليزي وليام شكسبير.

فإذا قررت “أن تكون” فغامر، ولكن عليك أن تغامر متسلحا بحكمة القرآن “ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة”. لذا لابد أن تدرس موقفك جيدا، وتسأل نفسك هل أنت مستعد لخوض المغامرة حقا؟ وهل مكاسب الدخول في المغامرة تفوق الخسائر الناتجة عنها؟ وهل المغامرة تستحق فعلا الدخول فيها؟

وازن بين فرص النجاح والفشل. واحسن تقدير امكاناتك التي تؤهلك للمغامرة. ولا تدع نفسك فريسة للخوف والجبن والتردد. واعلم أن النجاح لا يأتي إلا من رحم الفشل، فقد تخفق في مغامرتك الأولى، لكن ستنجح حتما في مغامراتك التالية، فالفشل يكسبك الخبرة اللازمة للنجاح.

غامر يا صديقي، واعلم إن الكهف الذي تخشى الدخول فيه، هو ذاته الكهف الذي يحوي الكنوز التي تحتاجها. فهيا نقتحم الكهوف.

———

* مدرس أدب وثقافة الطفل بكلية بنات جامعة عين شمس.

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: فجوة بين الشباب ورجال الدين

عدد المشاهدات = 12448 منذ فترة طويلة وانا اشعر بوجود فجوة عميقة فى العلاقة بين …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.