الأحد , 28 أبريل 2024

د.علا المفتي تكتب: في بيتنا مفكر (1)

= 1875

ola-el-mofty


حينما بدأ الإنسان رحلته لإعمار هذا الكوكب ،كان مطالبا بإعمال عقله. وحينما أعمل هذا العقل ،ظهر الخيال. وبظهور الخيال ظهرت الحضارات. فلقد ميز الله سبحانه وتعالى الإنسان عن سائر مخلوقاته بميزة العقل، ووهبه نعمة التفكير حيث يقول تعالى في كتابه الكريم: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ[النحل، 44].

ولقد أصبح إنسان هذا العصر محاصرًا بمغريات لا حد لها من كل جانب. وحتى لا يسقط الإنسان فريسة لتلك المتغيرات، وحتى يتمكن من التحكم في حياته ومواجهة مستقبله ، كان لابد من تحصينه ببناء شخصيته القادرة على التفكير الراقي وصنع القرار الجيد وإصدار الحكم المناسب.

وهذا ما دعا علماء النفس والتربية في الثلاثين عامًا الأخيرة إلى جعل العملية التعليمية مرادفًا لتعليم وتنمية التفكير على اختلاف أنواعه، كالتفكير الإبداعي والناقد في كافة مراحل التعليم، وقد سُميت هذه الدعوة بحركة تنمية العقل أو حركة التفكير الناقد، حيث أكد الاتجاه الأمريكي في التربية على دور مهارات التفكير الناقد في بناء الشخصية المفكرة للطفل.

من هنا يظهر بوضوح أننا في حاجة إلى تنمية التفكير الناقد لدى أطفالنا كي يصبحوا أفرادًا قادرين على إصدار الأحكام الذكية بشأن القضايا العامة والإسهام بديمقراطية في حل المشكلات الاجتماعية ليحيوا حياة سعيدة، فإن جودة حياتنا تعتمد على جودة تفكيرنا. ولكي يتعلم الأطفال أن يكونوا ناقدين فيجب أن يمارسوا هذا النوع من التفكير في جميع المقررات التعليمية في جميع مراحل التعليم، بل عليهم أن يمارسوه في حياتهم اليومية.

والتفكير هو أرقى صور النشاط العقلي للإنسان لذلك فقد حث الفلاسفة عبر العصور على أهمية ممارسة التفكير، فقد قال (ديكارت): (أنا أفكر إذًا أنا موجود) ليثبت بذلك أن الصفة المميزة للإنسان ككائن حي هي التفكير، وأن التفكير يثبت وجود صاحبه.

وأوضح (ديوي Dewey) أهمية التفكير بالنسبة للتربية والتعليم، حيث يرى أن لب عملية التربية هو تعلم كيف تفكر. وقد «كان الافتراض الذي طرحه ديوي أنه كلما نبع التعلم من تفكير تأملي كلما كان تعلمًا أفضل».

ولقد اتخذت فلسفة إصلاح التعليم منذ خمسينات القرن الماضي مسارها نحو تأكيد تنمية التفكير وتنمية الذكاء كهدف نهائي للتعليم. وفي السبعينات من القرن الماضي فوجئ المهتمون بالتعليم الجامعي بالولايات المتحدة بمجموعة من الدراسات التي أكدت أهمية تعليم التفكير الناقد والإبداعي بشكل صريح، وأوضحت أن بدونهما تصبح نسبة ضئيلة من الطلاب قادرين على تنمية هذه القدرات شديدة الأهمية. كما نادت الدراسات العلمية في أواخر القرن الماضي بأهمية تنمية قدرات التفكير وخاصة الإبداعي والناقد من خلال التعليم العام الأكثر كفاءة.

وبناءً على ما تقدم فإن من واجب المدرسة ألا تكتفي بتزويد الطفل بالمعارف والمعلومات، ولكن يجب أن تعنى عناية خاصة بتعليم الطفل طريقة التفكير، فأساس نجاح جيل اليوم في المستقبل لا يتمثل في الحفظ بل في تعلمه عادة فكرية صحيحة، وذلك ليتحقق هدف من أهم أهداف التربية والتعليم في مجتمعنا المصري وهو إنشاء المواطن المنتج المفكر.

والتفكير Thinking نشاط عقلي قائم على إدراك العلاقات بين عناصر موقف ما وممارسة مجموعة من العمليات والمهارات المعرفية كالتخيل والتذكر والتجريد والاستدلال وحل المشكلات وذلك للوصول إلى حل مشكلة معينة. وهو قابل للقياس والتنمية ومن أنواعه التفكير العلمي والابتكاري والناقد.
(ونستكمل الحديث غدا بمشيئة الله)
————–

* مدرس أدب وثقافة الطفل بجامعة عين شمس.

شاهد أيضاً

من فضلك .. كن نفسك فقط!

عدد المشاهدات = 179 بقلم: عادل عبدالستار العيلة أيها القارئ الكريم ظللنا لعقود طويلة ومنا …

تعليق واحد

  1. بارك الله فيكم دكتورة علا … كما تعودنا عليكم صدق في الكلمة وأمانة في النقل .. وصفاء في التفكير .. إخلاص في العمل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.