الخميس , 2 مايو 2024

خلود أبو المجد تكتب: عشان المصري مش رخيص!

= 1379

Kholod Abulmagd 2


أكاد أجزم اليوم بأن ما سأكتبه يحمل نكهة مختلفه عما أشارككم به منذ شهور، وكيف لا وأنا اليوم أكتب أمام نافذتي التي تطل على نيل قاهرتي التي أحب، أكتب من منزلي الذي أنتمي إليه ويحمل كل ذكرياتي الجميلة، الذي أعرف أنه لن يتبدل يوما، فمهما درت ومهما سافرت وتغربت فلا رجوع إلا له، فجدرانه التي تضمني شهدت ومازالت على كل حلم حلمته وكل نجاح حققته، وحتى إخفاقاتي كان هذا المنزل شاهدا عليها.

فمنزلي وموطني وكياني الذي أحيا وأتنفس هواه اليوم ليس فقط تلك الجدران، بل هو ذاك الدفتر الأخضر الصغير المطبوع عليه نسر بلادي الشامخ الذي لم يقو على قتله ونتف ريشه أحد، هو تلك النافذة التي أطل منها فأشاهد تاريخ حضارتي التي يعجب لها العالم يحيط بي من كل جانب، بين نيل أرتوي منه حب هذا البلد ولا أقوى على الغضب منه ولكن عليه، وأهرامات أراها من بعيد بناها أجدادي، وقلعة من خلفي حصن بها صلاح الدين قاهرتي، فكيف لا يكون ما أكتبه اليوم منكه بطعم الحب الذي يحيط بي منذ اللحظة الأولى التي تلمست فيها قدمي أرض المطار.

اليوم أعود لقاهرتي وأحمل بداخلي الكثير من الحب والفخر والعزة، فمصر التي في خاطري عادت ومازالت شمسها الذهب تشرق في وجدان كل من يأتيها، فتمكنت في عام من نفض غبار سنة كادت تودي بيها وتحرمنا نحن شبابها من العودة إليها، وتفتتح اليوم قناة السويس الجديدة، التي راهن على عدم نجاحها وتنفيذها في الفترة التي حددت لها الكثيرون من أعداء النجاح.

أعود وكم من حلم بالعودة والرغبة بالمشاركة في بناء الغد سمعته من الأصدقاء والمحيطين بي في الغربة والذي تحقق منها الكثير بالفعل، ولا أنكر أني واحدة من هؤلاء الذين يعملون على تحقيق هذا الحلم رغم كل النصائح المجانية التي تتطالبني بالتروي في أخذ القرار، لكني أعلم جيدا بأني أسير بخطوات ثابتة لتحقيق هذا الهدف، فلم اعتد في يوم على خذلان عقلي في تحقيق أهدافه.

ومن واقع تجربتي سأحاول جاهدة ألا أطيل وأنا أقص ماذا يعني "مصري في الغربة"، فالقصة تبدأ منذ اللحظة الأولى التي يبدأ فيها البحث عن حلم السفر والخروج من تلك القوقعة التي تعيش فيها بالبحث عن حياة رغدة وعيش ميسور، وهو حلم شرعي وواقعي للغاية لا أقوى على محاسبة أحد عليه، ولكنه مع الأسف تكمن فيه أولى خطواتك نحو السراب، فهذا الشخص الذي يصدر لك الحلم يتعاقد معك على ( معاش) حينما تترجمه للجنيه المصري تجد أنه خيال وحلم حلمته منذ سنوات تحقق به كل ما شاهدته في الأعمال الدرامية من رغد الحياة، الشقة والعربية والمكتب وإن لم تكن متزوجا فهو يأتي أيضا بالعريس أو العروسة ذات الحسب والنسب، لكن كل هذا أضغاث أحلام سرعان ما تتكسر على صخرة الواقع..

 فهذا ال( المعاش) بالفعل ( ما عاش) فهو في وسط الكساد الاقتصادي العالمي لا يكاد يكفيك قوت شهرك في تلك البلاد التي ذهبت إليها، فبين مسكن لا يحمل أي آدمية تضطر مرغما للقبول بالعيش فيه برفقة خمسة أو أربعة على الأقل من السابقين لك في التجربة ممن تكسرت أحلامهم على صخرة الواقع وتحولت لكوابيس، وبين مأكل ومشرب ومواصلات وفواتير هاتفية تدفعها كل شهر للحديث دوليا لأهلك في القاهرة أو ايا كانت محافظتك، تجد أن لا معاش يكفيك للمعاش.

ثاني وقائع قصتي عن (مصري في الغربة) يكمن في تلك المعاملة التي يتلقاها أي سائح حينما يأتي إلينا، وهو ما نتج أيضا عن سنوات إقتصادية عجاف عاشها هذا المصري الحالم بالغربة، فلا يكاد يصل السائح العربي أو الأجنبي أو حتى المصري المغترب لأرض المطار حتى يبدأ في سماع الجملة المشهورة حتى في غير موقعها ( كل سنة وانت طيب يا باشا أو يا بيه أو هانم أو يا شيخ) بغض النظر عن الألقاب التي تم إلغاؤها منذ إعلان مصر جمهورية إلا أنها مازلت تعيش في وجداننا ونقدسها، وتدفع هذا السائح بنعتك إما بالنصاب أو بالشحات، فأضحت هذه الصورة العامة والسمة التي تطلق على المواطن المصري ويتعامل معه البعض على أساسها في بلاد الاغتراب، والتي زادت للأسف في تلك السنة القاحلة التي عشنها برفقة الجماعة الملعونة.

أما ثالث قصصي عن ( مصري في الغربة) فتأتي من كونك تذهب شابا لبلاد الغربة وتتزوج هناك وتكون أسرة وأولاد، وتعود كهلا لا تقوى على العمل في بلادك بل أحيانا يعود البعض بعد أن ينتهي عمره، جثة في خشبة مشحونة في باطن الطائرة ولا يكون حقق هذا الحلم الذي سافر وتغرب منذ البداية بهدف تحقيقه، ليعاني أولاده من بعده بسبب حلم لم يكن حلمهم منذ البداية، فهو لم يتمكن من المحافظة على كيانه ووجدانه كمصري ينتمي لمصر، وفي نفس الوقت لم ولن يتمكن من تحقيق انتمائه لذاك البلد الذي سافر إليه، فهو كالمثل القائل ( رقص ع السلم لا اللي تحت شافوه ولا اللي فوق سمعوه)..

 وهي النصيحة غير المباشرة التي قدمت لي من أحد الأصدقاء، وأعده واحد من أساتذتي، حينما شاءت الأقدار فجمعتني بأحد زملائي في الجامعة، ورآني كيف أتحدث عنه بفخر واعتزاز بالنجاح الذي حققه ووصل إليه، لتكون المفارقة أنه هو أيضا في تلك المأدبة التي جمعتنا يجلس بجواره أحد زملائه في الجامعة والذي يحتل الآن في القاهرة أحد المناصب العليا والمهمة في إحدى الصحف الكبيرة، بينما هو وعلى الرغم من منصبه الهام في بلاد الغربة لم ولن يتمكن من احتلال نفس منصب صديقه لأنه ليس من أبناء البلد، وهذا حق وضريبة من يرتضي الغربة، فوصلتني الرسالة المبطنه حينما عرفني فقط على صديقه، والتي أراد إيصالها دون الحديث مطولا أو حتى التفصيل والايضاح فيها، وكانت السبب الرئيسي ببدء دراسة قراري بالعودة، فليس من أحلامي الرقص على السلالم، لأني لم أعتد ولن أتمكن من هذا فأهدافي منذ اللحظة الأولى التي قررت فيها دراسة الإعلام واضحة وجلية، وتصب جميعها في العودة يوما ما لقاهرتي التي أحب.

هذه يومياتي المختصرة عن (مصري في الغربة) والتي في جزء منها ألوم فيها كثيرا عدم وجود جهاز رقابي في وزارة القوى العاملة يحرص على أبناء هذا الوطن، يضع ويفرض شروطه على الراغبين في إستقدام الأيدي العاملة المصرية، ليسأل ويستفسر عن كل بنود عقودهم، حتى وإن كانت تتبع أحد الجهات الخاصة لضمان تحقيق هذا الحالم بالغربة للجزء اليسير من أحلامه، وهو ما يجب السعي بالفعل لدراسته وتنفيذه ليستعيد المصري العامل في الخارج مكانته بين الأيدي العاملة الأخرى.
علشان المصري مش رخيص.
————-
* صحفية مصرية مقيمة بالكويت.

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: فجوة بين الشباب ورجال الدين

عدد المشاهدات = 9892 منذ فترة طويلة وانا اشعر بوجود فجوة عميقة فى العلاقة بين …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.