الإثنين , 6 مايو 2024
الاعلامية حنان الطحان

حنان الطحان تكتب: المتكالبون على السلطة!

= 974

 

المتكالبون على السلطة اليوم في بلدي تكاثروا وتزايدت منابرهم ومواقعهم بشكل كبير، إعلامهم المرئي والمسموع والمقروء تفشى وانتشر واستشرى وفاق الحد والوصف، استثمروا أموالهم الطائلة في صناعة 'آلة إعلامية' ضخمة وأنفقوا عليها بسخاء، ففتحت لهم قــــنوات وفضـــــائيات جديدة هي صدى لهوسهم السلطوي .. وسيطروا على قنوات أخرى، وسرحوا منها بل ومنعوا دخولها كل صوت حق يسعى لكشف مخططاتهم وما يدبرونه، وإبدالهم بآخرين يخدمون توجهاتهم ومصالحهم.

استطاع هؤلاء تسخير تلك الأبواق في خدمة رسالة حددوها مسبقا واتفقوا عليها، وقاموا بتجنيد الإعلاميين الجدد بل حتى الإعلاميين الفارين من تحت عباءة ما يسمى سابقا بالإعلام الحكومي لكي يقدموا للجمهور تلك الرسالة المغلفة بروح الإنكسار والخنوع للنظام الفاسد البغيض الذي دمر البلاد على مدى ثلاثين عامآ من حكمة، وقد نجحوا في ذلك نجاحا ملحوظا، دعمهم في ذلك سماحة الشعب المصري وطيبته وربما بساطة الكثيرين من أبنائه.

هكذا حال مصر اليوم، 'كثيرون حول السلطة وقليلون حول الوطن'، أو كما قال 'المهاتما غاندي' المناضل الهندي الشهير. قالها، ولم يكن يدرك حينها أنه ليس الوطن الذي دافع عنه في محاربة الاستبداد ومن أجله قد ناضل وسجن وقتل، ليس فقط هذا الوطن الذي قد صدقت فيه تلك المقولة والعبارة، إنما يوجد أوطان أخرى من المفترض أنها على أعتاب تحقيق الديمقراطية والتقدم والرقي .

المتكالبون على السلطة اليوم في بلدي أيضا دعاة وشيوخ سلطة، أو بالمصطلح الدقيق 'شيوخ سلاطين' ـ هنا نتحدث عن فئة قليلة بعينها ولا نعمم- وهبوا أنفسهم للدفاع عمن هم في موقع السلطة أيا كانوا. لم نسمع لهم صوتا من قبل ولم ينبسوا ببنت شفة حين كنا في أمس الحاجة إليهم ليقوموا بدورهم الحقيقي ويقدموا النصح للسلطة حينما جارت على شعبها، فلم يطبقوا الحديث الشريف 'أعظمُ الجهادِ كلمةُ حقٍ عندَ سلطانٍ جائر'، إنما كان جهادهم من نوع آخر مختلف ومميز جعلهم في مصاف الصفوة والمستفيدين بقربهم من السلطة.

لم يخرجوا أبدا من أجل شعب أنهكت قواه وخارت عزائمه وأصبح العدم غذاؤه حيث لا مورد له، والتلوث أكسجينه حيث لا صحة ولا هواء، والمرض حليفه وقرينه حيث لا رعاية ولا علاج، وتسليته الوحيدة في الحياة كانت مشاهدة مباريات المنتخب الوطني ومتابعة الدوري الأوروبي والانجراف والإنهماك في التشجيع رغبة في النسيان أو التناسي، والفرجة على افلام الفن المبتذل الرخيص وكأنها الملاذ لإخراج ما به من شهوة أو رغبة لم يعد قادرآ على تفريغها بشكل شرعي، حين فكر في أن يعف نفسه ويصونها بالزواج فوجد الأمر أكبر بكثير مما تصور أو تخيل عقله.

المتكالبون على السلطة اليوم في بلدي، صعدوا وجلسوا على سدة الحكم وعلى أركان السلطة وكانت في أيديهم كل الصلاحيات التي منحتها لهم تلك السلطة حين اختارتهم تلك السلطة ليمثلوا الشعب في مجلسية (الشعب والشورى)، وظنآ منهم انهم مخلدون في التحكم بمصائر البلاد والعباد .. لا أعلم متى يستشعر النواب الموقرون حجم المآسي التي نعيشها الآن؟ متى سيعملون على إخماد النيران التي لازالت مشتعلة في صدور الأمهات ممن فقدن أبناءهن وشيئًا فشيئًا سينسى أي حق مشروع وإن كان وراءه مُطالب، كما نُسي غيره وضاع في صخب الأحداث وتتابعها..

واليوم وبعد أكثر من اربعة اعوام على قيام ثورة كان من أهم مطالبها 'العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية'، تتكالب كل القوى المتصارعة على الوجود في السلطة، وقوى أخرى على انهاك الدولة وارهابها وتدميرها .. المتكالبون على الثورة المهوسون بالسلطة اليوم في بلدي لم يسعوا لضبط الأمن المنفلت زمامه وتحقيق الأمان في البلاد، بل حرضوا آلاتهم الإعلامية لترويج فكرة باطلة، وهي أن هيبة الدولة قد كسرت شوكتها وفقد أبناؤها الثقة في العودة لممارسة مهامهم من جديد دون تعرض الشعب لهم بالإيذاء.. منهمكين في محاولة إقناع الشارع بضياع الامن والامان وكأنه مكتوب على هذا الشعب إما أن يرضخ لأسلوب الفساد والإستبداد ، أو أن يلجأ لتوفير لقمة عيشة لنفسة وبنفسة بأي طريقة كانت ..

المتكالبون على السلطة اليوم في بلدي هم فينا وفيهم.. فينا، حين صمتنا عن سرقة قوت عيالنا ورزقنا وسلب ثروات بلادنا والمتاجرة بنا في المحافل الدولية. وفيهم، لكل ما سبق عرضه أعلاه. وحيث لا أمل بدون عمل، علينا أن نفيق من السبات طويل الأمد الذي نحن فيه ولن يؤدي بنا في نهاية المطاف إلا إلى إعادة صناعة النظام السابق بكل تفاصيله وهيئته التي كان عليها قبل الثورة، وأن نرفع قيمة حب الوطن بالعمل لا بالشعارات من أجل حمايته ممن يسعى ليتكالب عليه طمعآ أو سطوًا.. الجميع في نظري سواء..

هكذا أشعر، بداخلي خوف من كل ما سبق وما هو أت ولا لَوم علي أو على غيري، إنما اللوم كله على من غفل قلبه وعقله، وجعل ينسى شيئًا فشيئًا دماء وأشلاء شهدائنا الأبرار وما قامت من أجله الثورة ودعت له منذ أن بدأت.. أتصور أن هوس السلطة، والاستحواذ عليها ولو 'بالشوكة' والقوة، والتشبث بها حتى آخر رمق، كانت ولم تزل آفة تمتزج بعقول الكثيرين منا، وسيبقى هذا الوضع هكذا حتى يرتقي العقل السياسي الى المستوى المؤهل لبناء الدولة الحديثة، دولة القانون والمؤسسات والمواطنة، دولة المواطنين لا الرعايا، ودولة التخوف من تولي المسؤولية والسلطة لا القفز والتكالب عليها.
——————
حنان الطحان، كاتبة وإعلامية مصرية.

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: فجوة بين الشباب ورجال الدين

عدد المشاهدات = 13022 منذ فترة طويلة وانا اشعر بوجود فجوة عميقة فى العلاقة بين …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.