الأحد , 28 أبريل 2024

“ثوب الولاية”…قصة قصيرة بقلم صابر الجنزوري

= 2063

لم تقنع فى حياتها بالحب العذرى..
استسلمت للعقل وتزوجت ، كلما رأت الشمعة التى تضعها كل يوم قبل النوم جوار فراشها تبكى وكأنها تبكى مع دموعها التى تسيل على جسدها الأبيض.
عقلها هو السيد وقلبها لم ينبض لزوجها ، نبضات مخها ترسل لها إشارات تخبرها أن القدر يحمل لها شيئا لم يأت بعد ؟
لم تنجب ، ولم تحزن ، طلقها زوجها ، فرحت ، قالت : لم أخلق للزواج ومازلت أملك عذرية الروح !
جاءتها الإشارة ، رضخت للأمر ، ذهبت إلى المكان الذى أوحي إليها به، رأت أنوارا وزحاما وزينة ، وقفت تسترق السمع ، قال الذى يجلس إلى منضدة جوارها : يا مريم إقنتى لربك واسجدى واركعى مع الراكعين !
ارتعدت فرائصها ، غادرت الساحة ؟
عادت لحجرتها ، أوقدت الشمعة ، سمعت الهاتف : تخلي عن مجدك وشهرتك وحسبك ونسبك وعودى إلى الساحة ..
– من أنت ؟ وماذا أفعل ؟
لم تتلق جوابا ، ذابت الشمعة ؛ أظلمت الحجرة ، نامت، رأت نفسها هيئة أخرى،لم تنتظر ، استقلت سيارتها ، وصلت إلى هناك ..
ينظر إليها المجذوب ويصيح :
– مدد ياست ، أين العباءة ؟
نظرت أمامها ، فى الفاترينة كانت العباءات خلف جدر زجاجية !
دلفت إلى الخان ، خرجت فى عباءة سوداء.
عاد المجذوب وصاح : الله يا ست؛
الغلابة جوعانين ، أجرك عند سيدك .
كعادته يختفى ، تنظر أمامها ، تجد المطعم ، أعطت لهم الأمر ، كل ما عندكم اليوم اشتريته ، وزعوا الطعام على الفقراء..
وقفت بينهم ، تعطى الوجبات ، تمتد إليها أيادى الدراويش ، يد تحصل على الوجبة ويد تصافحها وشفاه تتحرك بالدعاء :
– الله يجبر خاطرك ياست !
علي يمينها كانت تجلس الشيخة الكبيرة ،على رأسها عمامة سوداء ويغطى جسدها عباءة بنية داكنة وفى عنقها سبحة من لؤلؤ طويلة ، وعلى يسارها تجلس وصيفتها فى جلبابها الأبيض وطرحتها الخضراء ، قالت الشيخة الكبيرة وهى تبتسم وتربت على كتفيها :
– يا “سر الوجود” وصاحت :
– مدد يا سيدنا .
نهضت التى على يسارها وجعلتها تنهض معها ، أمرتها :
– رددى يا “سر الوجود” مدد ؟
عادت إلى حجرتها ، أوقدت الشمعة ، نامت ، رأت الشيخة الكبيرة ووصيفتها ، قالت :
عايزة تعرفى سر الوجود يا مريم ؟
– نعم يا ست..
قالت وصيفة الشيخة :
هناك داخل المقام !
استقلت سيارتها وذهبت ، كان أذان الفجر فى إنتظارها عند دخولها للمقام..
أغلق باب المقام ، صلت وسط النساء، عند التسليمة الأولى على يمينها كانت الشيخة وعند الثانية كانت الوصيفة ، مالت الشيخة تقبل يدها اليمين بينما الوصيفة احتضنتها وقبلت يدها اليسرى !
أشارت الشيخة إلى الرجال حول المقام ، انتبهت مريم ،
كان المجذوب يصيح:
يا “سر الوجود” مدد؟
همست الشيخة فى أذن مريم :
– إنه شيخك إذهبى إليه يا ست !
وجدته خارج المقام يصيح :
– يا مريم مدد ، يا مريم مدد !
اقتربت منه ، كانت مسبحته البنية الطويلة التى تتدلى من عنقه وحتى ركبتيه تتراقص مع صياحه وشعره الغجرى الطويل يبدو مقززا وجلبابه القصير المتسخ بتراب الشارع له رائحة كريهة و يتدلى منه جيب كبير على صدره يبدو منه أنه مليئا ببعض الأشياء، رأته مريم فى صورة بهية يفوح منه المسك والعود عندما تلاشت المسافة الصغيرة للقرب ومدت يدها لتصافحه..
بادرها : هيا إلي سيارتك ياست.
– إلى أين يا شيخى ؟
– إلى الشمعة والحجرة البيضاء !
دلفا إلى حجرتها ، أضاءت الشمعة،
خلعت العباءة السوداء ، كان المجذوب يغنى:
على عرش قلبي بالجمال قد استوى
فبايعته طــــــــــــوعا لحكم صبابتي .
فاحت رائحة العود من البخور ورائحة الياسمين من المجذوب.
– ماذا بعد يا شيخى ؟
– تجردى يا مريم !
لم تتردد وأطاعت الأمر
هتف المجذوب :
– من أطاع أمرنا ، دخل فى سفينتنا وأبحر فى محيطنا !
تجرد من خرقاته ، سقطت مسبحته !
– ماذا بعد يا شيخى؟
– هنا يكون الفراق !
– كيف ؟
– لو اقتربت إحترقت !
– وأنا ؟
– أنت اقتربت واخترقت وشاهدت؟
مدد يا ستنا مريم مدد..
خرجا من الحجرة البيضاء ولم تنطفىء الشمعة وتمايل ضوؤها
كأنه يرقص طربا.
كان المجذوب يرتدى عباءتها السوداء
بينما هى ترتدى الخرقة والطرحة الخضراء والمسبحة الطويلة فى عنقها.

شاهد أيضاً

متحف محمود خليل…يجمع بين المدارس الفنية التشكيلية

عدد المشاهدات = 520 بقلم: هبه محمد الأفندي ولد محمد محمود خليل في سنه 1877م …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.