السبت , 4 مايو 2024

بسمة عبدالقادر تكتب: نيش الكتب..!

= 2117

Basma Abdul Kader


دائما ما كان ولعي بالقراءة واقتناء الكتب مثيرا للعجب لمن يحيطون بي من أهلي وأصدقائي؛ و يرجع مرد عجبهم في انعزالي لفترات متقطعة من الوقت لصحبة كتاب ، أو قضاء بعض الساعات بالمكتبات العامة ، والأكثر إثارة لدهشتهم هو ما أنفقه من مال على اقتناء الكتب والتي لا تمثل أي وسيلة شيقة لجذب اهتماماتهم؛ فقد كانت أعينهم معلقة على ما هو أكثر أهمية واحترازا للفائدة، فكانت فلسفتهم الحياتية تقوم على إدخار المال من أجل الغد، وهي الفكرة الأكثر عقلانية لكل من يحتضن الحكمة لهذا العالم.

ومن هذا المنطلق يجدر بنا أن نتلمس حياة كريمة من وراء الإدخار الذي يفك كربة أو ينتشل غريق، إلا أنني دائما ما اصطدم بهذا الفكر القائم على أن المال المدخر يؤول بالأخير إلي عشرات الألاف من الجنيهات التي تبعثر في ساعتين يقرر فيهما الأهل إقامة عُرس في إحدى الصالات الفخمة مع وجبات العشاء التي يستلذ بها المدعوون ممن ينهشون لحوم أصحاب الفرح مع كل قضمة تدخل في جوفهم!

 وفي غضون أيام قليلة تختفي ملامح تلك الفرحة التاريخية ويكف الحديث عنها، أو تختزن الفتاة مالها لأجل تصميم لوحة فنية شديدة الأهمية بالمنزل تتجسد في دولاب (النيش) الذي يحرم لمسه على القاصي والداني ليرقد بشموخه المعماري لآخر العمر دون أن يعي أصحابه السبب وراء اقتنائه إلا لمجاراة العادة، تلك العادات التي تبيح إنفاق المال ببذخ على صور وهمية سعيها الأول لإرضاء الآخرين في مبارزات تنافسية لمجتمع لا مظهري بالأقوال، شديد المظهرية بالأفعال والأفكار، مجتمع يستكثر مئات الجنيهات على تغذية العقل والروح في حين أنه لا يأبه بإنفاق الآلاف بل والملايين لسد شهوة الجوع والأنظار.

ومن وراء تلك اللمحة على سلوك وفكر لا يتغير، غزتني تجربة نيش الكتب، فأي شئ يجده القارئ أغلى من الكتب ليضعها في نيش يحظر لمسه لسنوات العمر إلا لمن يقدر وزنها وقيمتها؟! وأي شئ يملك الإنسان أهم من عقله وقلبه حتى يحرص على تربيتهما وتدليلهما بكنوز المعرفة وثراء القراءة؟!

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: فجوة بين الشباب ورجال الدين

عدد المشاهدات = 11388 منذ فترة طويلة وانا اشعر بوجود فجوة عميقة فى العلاقة بين …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.