الإثنين , 6 مايو 2024

بسمة عبدالقادر تكتب: ما لم تخبرني مُعلمتي ..!

= 1594

 

Basma Abdul Kader
 
على مقعد خشبي يلتصق بالحائط، وفي واحد من الصفوف الأخيرة؛ كنت أحب أن أحجز مكاني بالفصل؛ لأستند بظهري والتقط بناظري كل حدود المكان، حتى أني كثيرا ما كنت أنجرف بتطلعاتي إلى خارج حدود النوافذ، كان المكان ضيقا جدا رغم اتساعه، وكانت الدقائق تبدو ساعات مع الموضوعات المكررة، ونفس المواد الجافة التي افتقدت إلى الواقعية، ونفس العبارات الناقمة التي تتردد على أسماعنا من قبل مُعلمتنا، ذات الوجه العابس والنبرة الجهورية الصلبة، كانت تحتد رويدا رويدا حتى تخرق عقولنا. 

في مدرسة لا تختلف عن مثيلاتها في هذا البلد؛ يخمد عقلك وتذبل روحك من جمود مناهج لم تخبرك مُعلمتك يوما عن مغزاها  ، ولم تراها أبدا في سلوكياتها ، ربما حدثتك يوما عن الرحمة بوجها القاسي، أو حدثتك يوما عن سرعة الرياح ولقنتك النظرية تلو الأخرى ، ولكنها أبدا لم ترسل عقلك خارج حدود سبورتها والكتاب المتأرجح بين يديها.

 كثيرا ما انجرفت عقولنا كطالبات إلى مكان غير المكان، وأحداث غير الأحداث، بلغت أمالنا المستحيلة أن تأتي معلمتنا يوما لتخبرنا أن حصة اليوم عن (مناقشة في كتاب) .. أي كتاب خارج نطاق المنهج ، أو أن حصة اليوم هي (حوار مفتوح) أو (ورشة هواية) أو أي موضوع آخر ليس الهدف منه حصد المزيد من الدرجات أو ملء كل بقعة على السبورة، كانت كلها آمال غفلنا معها عن حقيقة أن معلمتنا لا تقرأ! 

ولا تملك الوقت لتسمع؛ لأن لديها مادة منهجية تريد إلقائها على أسماعنا، وربما علق الكثير منها في عقولنا؛ كعباراتها المتذمرة وشكواها التي لا تنتهي (هلاقيها منكم ولا من البيت) (ابقوا قابلوني لو فلحتم) .. إلخ!

معلمتنا علمتنا الكثير .. نعم الكثير والكثير كانت تلك هي محاكاتها للواقع ، واقعها البائس، المؤامرات التي تكاد ضدها، تجاربها المأساوية التي أودت بها إلى هذا المصير لتعمل كمعلمة! .. مهنة هزيلة من وجهة نظرها، مهنة لم يقدرها أولي الأمر في الدولة برواتبهم المتواضعة من وجهة نظرها، وكذا لم يقدرها أولياء الأمور من عتابهم المستمر لسلوكها مع أطفالهم، بل أنها هي أيضا كمعلمة لم تعرف قيمتها أبدا .. فكيف للآخرين أن يصنعوا لها قيمة؟!.

لقد انتظرنا كمتعلمين يتلمسون دروسهم الأولى أن نرى العالم في عيون تقبل على الحياة، وعلى الرغبة في التعلم، في السعي ، في التفكر .. لم تعلمنا معلمتنا أن ننصت لحفيف الشجر أو أن نعلو مع أمواج البحر، أو أن نحلق كأسراب الحمام لنبلغ الشمس أو نجاور القمر.. لقد علمتنا معلمتنا الكثير ..ولكنها أبدا لم تعلمنا أن نثق في القدَر!

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: فجوة بين الشباب ورجال الدين

عدد المشاهدات = 13769 منذ فترة طويلة وانا اشعر بوجود فجوة عميقة فى العلاقة بين …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.