الإثنين , 29 أبريل 2024

بسمة عبدالقادر تكتب: سلعة أم هوية؟

= 1657

Basma Abdul Kader


لا يمكنني أن أصنف نفسي كواحدة من هؤلاء الفتيات العاشقات للتسوق والشراء، ولكن من المؤكد أنني من هؤلاء المصابات بشغف إمعان النظر لواجهات معروضات المحال التجارية على اختلاف طبيعتها وسبل عرضها.

في البداية كان افتناني بفنون العرض التي في مقدورها أن تبتلع عقول الراغبين وغير الراغبين في الشراء، ثم نمت اهتماماتي بتتبع حجم وكثافة المحال ذات النشاط المتشابه، ونمت معها مقارناتي لتلك المحال من منطقة لأخرى ومن مدينة لمدينة، إذ يمكن للساعي وراء سلع بعينها أن يحدد بيُسر أماكن توافرها، ليس هذا فقط بل ويُعرف هوية مدينة بأكملها من أعداد المحال التي تتفق في بيعها لنفس السلع .

فالقادم لأول مرة لمدينة تتكتل بها محال بيع فساتين الأعراس لن يجد صعوبة في تحديد هوية هذه المدينة من اهتمامات سكانها بفكرة التزاوج على أنها من أولويات حياتهم، وكذا المدينة التي تتوفر بها محال ومطاعم الأسماك بكثرة؛ فلا شك أن أهلها من رواد البحار وممتهني الصيد.

وبتطبيق هذه النظرية على مدنٍ تقبع بها مكتبة واحدة لبيع الكتب تُبتلع بين عشرات المحال التي تبيع الملابس وأدوات تزيين المنازل؛ تستطيع أن تحدد ثقافة مدينة هوية سكانها إشباع النظر قبل إشباع العقل، ناهيك عن مدن تخلو من بيع الأدوات الموسيقية أو تندثر بها المسارح ودور السينما؛ فهي مدن تخلت عن أي ملمس للفن والجمال، تداعت أرواح قاطنيها تحت جفاف المشاعر وقيود الموروثات، ومدن تختلط طرقاتها بالمقاهي في إعلان منها عن تكاثر الأيدي العاطلة، وأخري لا تدين لأصلها بأية عاطفة؛ فتُمحى آثار ثقافتها القديمة مع تلاشي مشغولاتها اليدوية مع الذوبات في بوتقة الآلات والتحضر.

ومن هذا يستدل الزائر لأي مدينة على الأرض بفحوى ما تروج له معروضات المحال لتكون بذلك المرشد الأول عن ثقافة شعوب ربما احتفظت بتراثها وربما استحدثته وربما تنصلت منه نهائيا، أو أنها اختلقت مجتمعات جديدة بهويات متغيرة مع مرور الأيام.

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: فجوة بين الشباب ورجال الدين

عدد المشاهدات = 7155 منذ فترة طويلة وانا اشعر بوجود فجوة عميقة فى العلاقة بين …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.