الأربعاء , 8 مايو 2024

بسمة عبدالقادر تكتب: “بائعة المناديل – قصة قصيرة”!

= 1421

Basma Abdul Kader


امرأة لم تتجاوز الخامسة والعشرين، ممتلئة الجسم، تغطي رأسها بخمار طويل يبدو في أسفله نصف ثوبها القديم،  تحمل رضيعا على صدرها، تفترش ناصية الطريق بعبوات متنوعة من المناديل الورقية، هذا القادم يشتري منها عبوتين ، وهذه المرأة تفاوضها في سعر عبوة دون اكتراث لضآلة ما تربحه ؛ فتخنع لإصرارها في صبر، وبعد دقائق تستعيد نشاطها في المجادلة حتى تنال السعر الذي يرضيها من البيع، أطفالها يتجولون من حولها، طفل لم يبلغ الثانية من العمر ، وطفلة في الثالثة ، يكبرها ولدان يكادا يكونا رجلين أعمارهما بين الثامنة والعاشرة ، يقفان في انتظار الأم التي تعبئ لهما حصتهما من العبوات الورقية في كيسين كبيرين، يتجولان بهما بين العاملين في الهيئات الحكومية التي ترتكز في هذه البقعة الحيوية من المدينة..

 امرأة تلبث في بقعتها المعهودة لسنوات ومع كل عام أراها تحمل على صدرها رضيعا جديدا؛ ليلهو الآخر في جوارها مع بقية إخوته، يتكاثر أبناؤها وتبقى هي على حالتها، بنفس الثوب الباهتة ألوانه عاما بعد عام،  تبيع المناديل وتلوح بيدها لإبعاد الحشرات الطائرة عن وجه رضيعها الباكي، تصرخ على طفلها الذي اصطادته نشوة اللعب ليتوسط طريق السيارات المارة، وتُعنف الآخر الذي تشاجر مع أخته، ثم تعود لتجيب تساؤلات الزبائن عن أسعار عبوات المناديل.. 

كنت أراقبها في كل يوم أمر فيه من هذا الطريق،  وفي إحدى الأيام  لمحت رجلا يتشاجر معها ، لم تكن هيئته غريبة عن ناظري، ربما عهدت أن أراه في نفس المكان؛ ولكنه كان دوما جالسا على مسافة ليست ببعيدة عن بائعة المناديل، تذكرت جلسته برفقة بائع الأسماك، كان دوما ينفث دخان لفافة التبغ القابعة بين إصبعيه، وعيناه تتجول بين المارة في حديث خاص بينه وبين نفسه.. 

عقب هذا الشجار الأخير علمت أنه زوج بائعة المناديل، زوجها الغائب في حضوره، كل هذه السنوات الماضية لم تكن تبدو عليه أية أمارة تشير إلى أنه زوجها، افقتد حضوره مشاركة زوجته البيع أو التجوال مع أكبر أبنائه، كما افتقدت أبوته اللهفة على صغاره الضالين في الطريق، كما افتقدت إنسانيته أن يستبدل لفافة تبغه بوشاح صالح يقي أبنائه المهترئة ثيابهم من برودة الشتاء، صغار تتعالى ضحكاتهم البريئة في عبث غير مدركين لما ينتظرهم من مصير بائس، أم تبيع المناديل وتنجب طفلا وراء الآخر بعشوائية، لا تدري إن كانت تأتي بهم إلى هذه الحياة لتحمل مسؤوليتهم أم ليحملوا عنها عبء المسؤولية، وأب لولا أنهم ينادونه (أبي) لما عرفوا من يكون.

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: وداع يليق بإنسان جميل

عدد المشاهدات = 1157 صدق المبدع مرسى جميل عزيز عندما قال : على طول الحياة.. …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.