الإثنين , 6 مايو 2024

أمير شفيق حسانين يكتب:رمضان ..في طفولتي وشبابي

= 1637

تعودت أنا وقُرنائي من أطفال القرية، منذ سن مبكرة، أن نذهب للمساجد مع آبائنا وأجدادنا الفضلاء، ولا أنسى ذكريات طفولتي وبداية شبابي في مسجد آل عزام بقرية الرمالي التابعة لمركز قويسنا بمحافظة المنوفية، هذا المسجد المجاور لبيتي.. كنت أقف في صفوف المُصلين خلف إمام المسجد الشيخ محمد عبدالتواب عزام، وهو يقول ” صلاة القيام أثابكم الله ” وكنا ومازلنا متنعمين بأذان وإمامة جارنا الطيب الشيخ السيد الحماقي، وبكاؤه داعياً “اللهم تقبل منا صيام رمضان “، وأيضاً لا أنسى إمامة الشيخ سليمان عواد، الذي كان يقرأ القرآن بصوته الشجي، ثم يُسلم بعد الركعة الرابعة أو السادسة، ليستريح المصلون، ويُروِحوا عن أنفسهم بعض الوقت، ثم كان يتغني بالتواشيح الدينية، قائلاً ” مرحباً يا شهر الصيام “، ونحن من حوله آذان مُصغية، نستمع إلى حُسن كلماته، في مدح شهر الصيام الفضيل.

كنت شغوفاً بتقليد من هم أكبر مني سناً، أتعلم منهم، أُصلي معهم، أقوم وأقعد، وأركع وأسجد، أُقلد الكبار فيالصلاة، كان تقليدا حميدا، ترعرع معي ومع قرنائي من الأطفال بالقرية.

كنا نشتري ألعاب المفرقعات البسيطة من دكاكين القرية، ثم نُشعلها ونقذفها في الهواء، في نفس ميقات، ضرب مِدفع الإفطار، وكانت الفرحة تغمرنا لأننا قد قلدنا صوت مدفع الإفطار والإمساك الموجود أعلى قلعة صلاح الدين الأيوبي بالقاهرة.. كانت تصرفات طفولية بريئة.. وأتذكر أن شهر رمضان كان يحل علينا في فصل الشتاء، ورغم الأمطار الغزيرة، وبرودة الجو القارسة وقتها، فإنني كنت اُرافق قُرنائي، نتجول في شوارع القرية وطرقاتها، نحمل فوانيس رمضان المصنوعة من الصفيح أو من زجاجات البلاستيك ونضع بداخلها الشموع، ونجوب الشوارع ليلاً فرحين، ونتغنى بأغاني المدح والتكريم بحلول الشهر المُعظَم.

ومن ينسى صوت عبدالمطلب وهو يغني “رمضان جانا وفرحنا به”؟ ومن لم تتحرك مشاعره طرباً وفرحة بأغنية “مرحب شهر الصوم مرحب.. لياليك عادت بأمان”؟ وكذلك أغنية “هل هلاله.. شهر مُبارك”، و “تم البدر بدري” و”هاتوا الفوانيس يا ولاد.. هنِزِف عريس يا ولاد” وغيرها من الأغاني الرائعة ، ولا ننسى “حديث الشعراوي”، الذي كان يُذاع عصر كل يوم رمضاني، وكذلك المسلسلات الإسلامية، وقصص الأنبياء وغيرها.

وكان شباب القرية يذهبون إلى ملعب قريتهم، بعد صلاة العصر لمشاهدة الدورة الرمضانية، الخاصة بكرة القدم، التي كانت تُعقد يومياً، وكان يُشارك فيها فرق كثيرة من مختلف القرى المجاورة، وليلاً كان شباب القرية يلعبون سوياً كرة القدم وكرة التنس كنشاط دائم بمركز الشباب، وكانت الدورة الرمضانية – حينها – لها حضور شعبي وإن قل بعض الشيء ، مع مرور السنوات، لانشغال الشباب بهموم الحياة.

ولأنهلم تكن هناك قنوات فضائية في ذلك الحين، فكنا نجلس في وقت الإفطار، نشاهد التلفاز المصري ذا الثلاث قنوات تليفزيونية فقط، لنشاهد “بوجي وطمطم” للراحل يونس شلبي، ولكي نتابع فوازير عمو “فؤاد” للراحل فؤاد المهندس، وحتينشاهد”مسلسل ألف ليلة وليلة”، وكي لا تفوتنا رائعة الفنان سمير غانم “فطوطة”، أو ننسى مشاهدة “الكاميرا الخفية” وجميع تلك البرامج التي أحبها المصريون، لم تعُد تُذاع نهائياً على شاشة التليفزيون المصري!!

يأتي رمضان.. فتفرح قلوبنا وتقر الأعين بالمشهد القرآني الكريم، وأهالي مسقط رأسي بقرية “الرمالي” بقويسنا ، قد اعتادوا الجلوس بالمسجد بعد عصر كل يوم، يقرأون القرآن، فرادى وجماعات–أيضاً – تجدهم يمسكون بالمصحف أمام بيوتهم وعلى المصاطب، مجتهدين لكي يختموا قراءة القرآن كاملا، أما وقت السحورفتجد المسحراتي يجوب شوارع القرية، ويضرب بعصاه على طبلته، ويُنادى “اصحى يا نايم.. وحِد الدايم”.

وقد تعود مسحراتي قرية الرمالي على أنينادي على سكان كل حي،كل فرد باسمه، بل ويقرع باب داره للتأكد أنه قد استيقظ فلا تفوته بركة السحور، وكان السحور غالباً عبارة عن وجبة متنوعة من الفول والبيض وبعض الجُبنة والحلاوة وكوب لبن، أما “الكُنافة” فكانت ولا تزال إحدى الأكلات الشهيرة للتحلية بعد الإفطار، لدى المصريين في شهر رمضان.

أذكر أن مسجد “الرحمة” بقرية الرمالي، كان القائمون عليه حريصينعلى إقامة مائدة الرحمن لإفطار الصائمين، وأتذكر أننا ونحن أطفالكنا نحرص على تزيين الشوارع والبيوت بالزينات.. أما أهالي القرية فكانوا ولا يزالون لديهم الحرص على إقامة العزومات لدى بعضهم البعض، لنيل بركة وثواب إفطارالصائمين ، وكنا نراقب نقل شعائر صلاة العشاء والتراويح كل ليلة ، وكان أغلبها يتم من مسجد الإمام الحسين أو مسجد السيدة زينب أو السيدة نفسية بالقاهرة .

كنا ومازلنا نجلس قبيل أذان المغرب بنصف الساعة، نستمع لقرآن المغرب، وتطرب آذاننا بصوت قراء مصر العِظام أمثال الشيخ محمود علي البنا والشيخ محمد عبدالعزيز حصَان، والقارئ محمد صديق المنشاوي، والشيخ عبدالباسط عبدالصمد، والشيخ الشعشاعي ولا ننسى الصوت الملائكي للشيخ محمد رفعت وآخرين أصحاب فضل، لا تنساهم ذاكرة إذاعة القرآن الكريم المصرية.

يمر الوقت، ثم يرفع أذان المغرب جارنا الطيب الحاج إبراهيم عبدالتواب عزام، فنُعجَل بالفطر، ونحمد الله على فرحة الإفطار، ثم نصلي المغرب، وننتظر حتى صلاة العشاء، فنذهب للمسجد ونراه ممتلئاً بالمصلين شباباً ورجالاً وأطفالاً، والنساء في مُصَلى النساء جئن طامعات في ثواب صلاة الجماعة.

تمر الأيام والسنوات، ويأتي رمضان وبعده رمضان، وتتجدد معه الفرحة والبركة، وقد بدأت الأعداد الغفيرة، تتنبه للمحافظة على صلاة التهجد بمساجد القرية، وكم نفرح بالتهجد والتذلل والوقوف كثيراً أمام الرحمن، تشاهد الضعفاء والمرضى، يقفون تارة رغم آلام مرضهم، ويجلسون تارةً أخرى، لا يشغلهم المرض، بقدر ما يشغلهم رضى رب رمضان.

أتذكر أنه منذ سنوات قليلة، حضر أحد أقاربي إلى قرية “الرمالي” قبيل رمضان بأيام معدودة، وكان يعمل مُخرجاً بالفضائيات، وقد جاء برفقة زملائه، لتصوير برنامج “مسحراتي القرية” ، وكانوا في حاجة لإحضار أكثر من مسحراتي “للتمثيل معهم” فلم نستطع أن نجد إلا مسحراتي واحد فقط، ليُصور معهم، فاضطررت لأن أستعير جلبابا بلديا من جارنا الطيب “عبدالفتاح عمر” وارتديته، وقمت بدور المسحراتي، داخل حي “العُمارية” وفعل مثلي بعض شباب القرية الكرام، واستمر التصوير من وقت العشاء وحتى مطلع الفجر، وتم إذاعة حلقات “المسحراتي” في رمضان على قناة “نور الدنيا” وشاهدها عدد من أهالي القرية، الذين شاركوني فرحة “تجربة التمثيل” ، وفرحة الظهور على شاشة الفضائيات !!

———-

Amirshafik85@yahoo.com

شاهد أيضاً

“إجمع ما بقى من بقاياك”…بقلم نبيلة حسن عبد المقصود

عدد المشاهدات = 7235 حين يذهب الشغف في طيّات الفتور. ويستوي الأمران.من قربٍ وبعدٍ… حبٍ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.