الجمعة , 26 أبريل 2024

“عَبْث”..قصة قصيرة بقلم مي سامح

= 1814

مسرحٌ صغيرٌ يستقبِل العديدَ من الدُمي التي إن رأيتُها تكاد أن تُجزم بأنها شخصيات حقيقيه من شدةِ واقعيّتها و مرونة احادِيثها..

دخلت أول دُميه علي المسرح كانت دميةً علي هيئةِ شاب يبدو عليه التردد بعضَ الشئ يلتفت يميناً و يساراً، متوسطُ القامه، اشعث الشعر، يرتدي ألواناً متعددةً، وضع يدهُ علي قلبهِ ثم تحدث قائلاً:

اهلاً بالجميع، اُدعي بالمتردد أو الخائف.. امم نعم لنتخطي هذا الجزء الخاص بأسميّ الحقيقيّ
لأقُصَ عليكم قصتي، أنا الخائف المتردد الذي يقوم بتضييعِ الفُرص حتيّ و إن كانت فرصةً سخيّه..
اِبتسم قليلاً بألم ثم استكمل حديثه..
حتي و إن كانت فرصةً ليست بتلك الأهميه، دائماً متردد، دائماً اخاف من الإقدامِ علي خطوةٍ جديده، اَهاب الصَوتَ العالي و اَهاب ذاكَ المدير الحانِق الذي يبدو و كأنه قد اُجبر علي النزولِ كل صباحٍ ف يقوم بإفراغ طاقتهِ بتوبيخه لموظفٍ أو ربما قسمٍ بأكمَله، اهابَ الفشل و الوقوع بحفرتهِ، اهابَ الحب الذي لم يحالفني الحظ معه ابداً! اتعلمون؟! أن الحبَ حظٌ اكثر من كونِهِ قدر! كلما تحركت مشاعري نحو إحداهنْ لا اجد لديها ايَّة مشاعر متبادله نحوي، اَهَاب ذوقي احياناً في اختيارِ الهدايا أو حتي اختياري لملابسي!! اهاب السيارات و سُرعتها، اخشي أن تصطدم بيّ سياره و يُفني جسدي في حادثٍ آليم ..حتي إني كنتُ متردد في الصعود علي خشبةِ هذا المسرح، ف هذا أنا ربما تروني شخصاً ضعيفاً لكنيّ ما زلتُ أحارب افكاري و احارب نفسي قد مللتُ ذلك الخوف و لكن دون الخوف يَصعب علي الإنسانِ الحياه، يَصعُب عليه إلقاء نفسه بالتهلُكه دونَ التفكير ألف مره..

وقف المتردد بعينهِ الحائره بين اليسار و اليمين و حيا الجمهور ثم انسحب خلف الستائر و يستعد المسرح لاستقبالِ اقدام الدُمية الثانيه..

وقفت دميةٌ علي هيئةِ فتاه انسدل شعرُها و اتخذ وضعه علي كتفها من ناحيةٍ واحدةٍ فقط، ترتدي فستاناً تحت رُكبتيها بقليل، ثم ابتسمت في خجل و وجها كان يغلب عليه الحُمره قليلاً ، وضعت عيناها في الأرض و قالت
احم مرحباً اُدعي بالخجوله، نعم سوف نتّبع جميعاً هذه السياسه ليس مسموحٌ لنا بقولِ اسمائنا الحقيقيه، علي أيّةِ حال..
أنا التي تخجل من كل شئ، اخجل أن ابدء حديثاً أو أذهب لأعترف بحُبي لأحدهم رغم اني اُحبه و لكن اخجل لأني اخاف الرفض ك صديقي السابق، اخجل أن اقول “لا” لأحدهم حتي لا يحزن، اتعلمون؟ حتي أنني اُفضل الغَير علي نفسي حتي لا يتأذّوا، اُفضل أن يُكسر بخاطِري علي أن أقوم بكسرِ خاطر احدهم..
نظرت للجمهورِ ثم ابتسمت و عاودت النظرَ لأسفل
كنتُ حتي اعرف الإجابات الصحيحه أيام الدراسه و اخجل أن اتفوَه بها و اُفاجئ أن زميلةً ليّ قالت نفس الإجابه التي قُمت بحفظِها في عقلي، و من السخافاتِ
ايضاً اني كنتُ اخجل أن استردَ ما تبقي ليّ من اجرةِ المواصلات، لا اعلم إن كان خجلي عيباً أم هو مجرد طبعٌ انثويّ لا استطيعَ تغييره!!

وقفت الخجوله لتحييّ الجمهور و استعد المسرح لاستقبالِ الدميه الثالثه..
دميةٌ علي هيئةِ شاب تزينَ وجهه باللحيةِ و الشارب يرتدي بدلةً كامله و ساعةً بالدقائق و الثواني، وقف ليلتقط انفاسه في غضب نظر للجمهور و قال:
مرحباً ليس لديّ وقت لكل هذه المقدمات السخيفه مثل هؤلاء و شاور بيده في الهواء بغضب تجاهِ الكواليس.. أري انكم قد استنجتوا شخصيتي

أنا الحانق الغاضب الذي ليس له أي مجال للترفيهِ عن نفسه و لو قليلا،ً وقتي كله لوظيفتيّ فأنا رُجل أعمال..
نظر لساعته التي اعلنت عن اقتراب موعدٍ ما بصوتِها المزعج.. استأنف حديثه قائلاً: اووف لقد نسيت هذا الاجتماع اللعين الذي اقترب موعده!! لن اُطيل عليكم
افتقدتُ الشعور بالحياه الإجتماعيه، افتقدت زوجتي التي اخذت أولادي بعيداً و رحلت.. لها كل الحق فقد سئمت الحياه معي.. شرد قليلاً في حزن ثم قال بغضب:

و لكن ماذا افعل ها؟! هذه هي الحياه روتين سئ و الكثير من الضغط النفسيّ و الجسديّ من منا لا يعمل من أجل النقود! من منا لا يريد أن يحظي بقليلٍ من الراحه! لكن السعي وراء الأموال لا ينتهي نحن نفعل كل ذلك من أجل أولادنا ف هم يستحقون حياةً أفضل.. كم افتقدهم..
اخذ يسير بسرعه في الأتجاهين و يلوَح بيده بينما يتحدث قائلاً
أنا اكره الزحامَ و عدم الألتزام بالمواعيد، اكره البشر جميعهم بلا استثناء و اُعاني غبائهم! كل الشخصيات التي رأيتموها منذ قليل بائسةً و هذا العالمُ بائس بما يكفي!!
إن وجدتَ شخصً مخلصاً لك، يُحبك دون مصلحه فإنك محظوظ.. لكن اعتقد انه ليس موجود

وضع رأسه في الأرض و عَقدَ حاجبيه و اغلق عينه قليلاً و قال:
اخشي أن اموت وحيداً إثر ذاك الغضب كله،
شعر بضعفهِ يحتلُ الأجواء حوله ف أرتبك قليلاً
يجب عليّ أن اذهب الآن.. قال جُملته الآخيره و اختفي خلف الستائر..
استعد المسرح لإستقبال الوجه الجديد و لكنه غاب في الظهور قليلاً
تقدمت الدُميه الرابعه التي كانت علي هيئةِ شاب يبدو علي وجهه الوجوم يرتدي قميصاً و بنطالاً يبدو مُهندم و هاديء
تقدم خطوه..
اهلاً اسمي المكتئب قالها بإبتسامه
اه محدش يستغرب و أنا مش هتكلم بالفُصحي عشان ممكن اتلغبط و مش بحب اتلغبط، أنا بعتَز باللغه العربيه جداً لكن مش هحب اشوِهها انا مش زي باقي زمايلي اللي طلعوا اتكلموا قبلي، أنا مشكلتي سهله أو صعبه مش عارف! بصوا انتوا اللي هتحكموا.. أنا مش متعود اتكلم كتير، وضع كف يده علي ذراعهِ الآخر و نظر في الأرض ثم استأنف قائلاً:
الحياه قبل كده كانت مختلفه كنت بضحك من قلبي بجد، كنت بحس بطعم أي حاجه بعملها، كان ليا ناس و فقدتَها، الحياه مشيت لكن وقفت جوايا أنا و مش عارف اتغلب علي ده!! حاسس إن فرحتي بتتاخد مني، عارفين؟ أنا كنت زمان قادر اضحك من قلبي دلوقتي الضحكه بقت عباره عن مجامله، أنا مش فاكر آخر مره ضحكت من قلبي كانت امتي! مش فاكر آخر مره كنت مبسوط بجد كانت امتي .. كنت بسمع كتير للي حواليا لكن دلوقتي لا عارف اسمع ولا اتسمع! هتقولوا الروتين عامل فيك كده، هرُد أقول أنا بجدد من وقت للتاني و بحاول اشوف ناس جديده بس حاسس إن روحي ناقصها حاجه يمكن.. يمكن الحُب؟! بس فيه ناس لسه محبتش و قادره تعيش.. بس آآآه بقول إن فيه اللي بيعترف إن ده اللي ناقصه فعلاً و فيه اللي بيكابر و بيقول عادي يا عم محدش بيموت ناقص رزق.. بس حقيقي مهما شَغلنا نفسنا فكرة بس وجود حد بيشجعك، واقف في ضهرك، بيصقفلك علي انجازاتك الكبيره و الصغيره، بيحبلك الخير و بيشد علي ايدك تقوم ف طاقتك كلها تتجدد و تشوف نفسك بعينيه و هو بيقولك كمِل أنا جنبك وياك و ايدي في ايدك هنحاول، هنكبر سوا، هنعجِز سوا..

الوحده الداخليه صعبه و حِمل تقيل القلب مش بيستحمله، و ُبكا الروح أصعب بكتير من بُكا العين، زمان كنت بعرف اواسي الناس اللي بحبها و آديهم طاقه ايجابيه يكملوا بيها حياتهم لكن دلوقتي ببقي عايز اللي يقولي كلام أو حتي يثبتلي إني كويس، إني مش فاشل.. حاولت اقرب من ربنا كتير و استعين بيه لكن الفتور في العباده مخليني متلجِم مخليني تعبان .. أنا تعبان نفسياً اكتر من أي حاجه في الدنيا، تعبان و مش هكابر و تعبت من المكابره..حاسس جوايا شخصين شخص أسود عايزني اتحطم و احارب كل الناس و اكرههم فيا و شخص تاني ابيض عايز يقوِم نفسه يرجع تاني كويس، كويس بجد مش زي ما بمثِل كل يوم! أنا عمري ما كنت كده و خايف افضل كده..

ارتفع صَوت نحيبه علي المسرح و شهقاته و اندمج معه الجمهور و كأن كلاً منهم يواجه هذا الآلم..

سقط المُكتئب علي الأرض يمسك رأسَه ثم أخذ يصرخ قائلاً:
كفايه، كفايه اصوات غريبه اخرجوا من دماغي، أنا تعبت منكوا، كفااايه كفاااايه
و أخذ يترنح في الأرض كالصريع الذي يواجه اَلَذْ عدواً له

لينتقل المشهد لشخصٍ يضغط علي رأسِه في آلمٍ شديد
و قد اجتمع حوله المرضي و الممرضين و الأطباء

جاء دكتور ماجد الطبيب المُشرف علي الحاله مهروِلاً..
-مين فيكوا اللي كان مع الحاله آخر مره!
– كلنا يا دكتور
– و ايه اللي وصله لكده؟!
– قال أحدهم: هو كان بيحكيلنا قصه عادي عن مسرح عرايس كده و كلام لامؤاخذه مجعلص و شويه يقلد صوت رجاله و شويه صوت حَريم! كلامه ميتفهمش يا دكتَره الصراحه..
نظر له ماجد متعجباً من لفظ “دكتَره” و رفع حاجبيه قليلاً ثم قال:
– حكالكوا ايه بالظبط و ايه اللي وصفه؟!
بدأوا يقُصوا عليه ما حدث بالتفصيل..
– اعتقد يا دكتور ماجد إن الحاله كانت بتوصف نفسها و كل اللي مرت بيه و بتمُر بيه
تنهد دكتور ماجد ثم قال: أنا فهمت ده يا دكتور أحمد أنا ماسك الحاله ديه من أول ما جت
– طب و قررت تعمل ايه؟ اخليهم يحضروا جلسة الكهربا!
– اظن يا دكتور أحمد إن الإنسانيه متقولش كده هنكهرب حاله عشان هو بس مجرد انسان بيحس و محتاج يتعالج بطريقه مُتحضره!! للأسف البلد ديه عُمرها ما هتتقدم ابداً
مريض وصل بيه الحال في النهايه إنه كان هينتحر و يقتل نفسه ف نكهربه عشان نعذبه لمجرد إنه مش لاقي نفسه وِسط مجتمعنا المُشوَه .. ديه الإنسانيه يا دكتور يا مُتعلم مش كده يا خساره فعلاً..

وضع أحمد وجهه في الأرض في خذيان ثم قال بصوتٍ يكاد يُسمع: طب هنعمل ايه؟
– تنهد دكتور ماجد قائلاً: هنبتدي رحلة علاجه بالطريقه الصح، الطريقه الآدميه، الرحله اللي كلنا بنعاني منها سواء أسوياء نفسياً في صمت أو مرضي و تطور معاهم الموضوع و وصل بيهم الحال لهِنا يا دكتور..

شاهد أيضاً

إنجي عمار تكتب: قبل ودبر..!

عدد المشاهدات = 5948 قبل ودبر بضم الحرف الاول من كلتا الكلمتين. كلمتان بينهما تضاد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.