الجمعة , 26 أبريل 2024

د. علا المفتي تكتب: رسائل يجب أن تصل!

= 2002

كفكفت دموعها الغزيرة، ونظرت إلي في حزن وحيرة، ثم سألتني في براءة: هما ليه يا ماما الناس اللي بنحبهم، ماتوا وماكنوش عيانين، ولا عواجيز ؟!

فكرت مليا قبل أن أرد، على هذا السؤال الوجودي.

فكثيرا ما كانت ابنتي، توجه إلي مثل هذه الأسئلة، عن الكون والحياة والموت، منذ أن بدأت تعي ذاتها وتعي الآخر. ومثل تلك الأسئلة الشائكة، التي كثيرا ما ترد على أذهاننا نحن الكبار، الذين نمتلك قدرا من المعرفة والفهم قد يشبع غليل علامات الاستفهام، التي تؤرق طمأنينة عقولنا، ومع ذلك نعجز عن إيجاد إجابات لها.

فما بال الصغار، الذين يسعون بشغف بالغ، لفهم هذا العالم من حولهم، فتأكلهم مثل هذه الأسئلة، وتؤثر في نظرتهم للحياة والمستقبل. لذا يجب توخي الحذر عند الرد عليها. ويجب أن تكون إجاباتها بسيطة، ومنطقية ومقنعة، تناسب عقولهم الصغيرة، وتراعي أحاسيسهم المرهفة.

وقد وفقني الله، في أن أجيب على تساؤل ابنتي، بكلمات بسيطة، حيث قلت لها: كل شيء في الحياة له بداية وله نهاية. زي اليوم مثلا، بيبدأ بطلوع الشمس وظهور النهار، وبعدين تختفي الشمس ويجي الليل، ويخلص اليوم وينتهي، عشان ييجي يوم جديد بداله. والناس زي الأيام، بيتولدوا ويعيشوا، وبعدين ينتهوا، سواء كانوا صغيرين أو كبار، أو عيانين أو صحتهم كويسة. عشان يبدأوا حياة جديدة في مكان تاني، اللي هو العالم الآخر. وممكن الحياة دي تكون أسعد وأجمل، أو أسوأ وأتعس، من الحياة اللى عاشوها في الدنيا. واللى بيحدد نوع الحياة الجديدة، حلوة أو وحشة، هي الرسالة بتاعتهم.

نظرت إلي ابنتي في حيرة، وقالت: رسالة إيه؟

قلت لها مبتسمة: ربنا خلق لكل واحد فينا رسالة، أو مجموعة من الرسائل، زي الواجبات كده. علينا أننا نعملها بإتقان، ونكملها للآخر، بطريقة سليمة، عشان نفوز بالجنة، والحياة السعيدة في العالم الآخر. والشخص اللي تنتهي حياته، بيكون خلص الوقت، اللى المفروض يوصل فيه رسالته. المهم أنه يكون نجح في توصلها، بطريقة صح.

ومنذ ذلك اليوم، أصبحت ابنتي تدرك معنى الحياة والموت، من منظور فكرة “الرسالة”. حتى أنها عممت تطبيقها على الأشياء أيضا، وليس على الأشخاص فقط. فعندما تعلم بوفاة أحد الأقارب، أو الجيران أو الأصدقاء، تأتي إلي مواسية وتقول: ما تزعليش يا ماما، الشخص ده رسالته انتهت. وتكرر هذا الموقف، عندما انكسر فنجان قهوتي المفضل، فقالت لي في براءة: الفنجان بتاعك رسالته انتهت.

حقا صدقت ابنتي، فإننا في هذا العالم، وفي هذه الحياة، مجرد رسائل. ويجب على كل منا، أن يبحث عن معنى وجوده، في هذه الدنيا. وأن يقرأ جيدا، الرسالة التي أوجده الله من أجل توصيلها، وتحقيق مآربها. وأن يحسن فهم تلك الرسالة، ويختار أفضل السبل، لإتمام مهمة إنجازها على أكمل وجه.

قد نكون رسائل لأنفسنا أو للآخرين. فوجودنا في أماكن معينة، أو مرورنا في حياة بشر بعينهم، ليس من قبيل الصدفة، ولم يحدث بشكل عشوائي. لكنه يحدث وفق نظام، أبدعه الله عز وجل، بدقة متناهية. فلنتأمل رسائلنا، ورسائل من حولنا، لندرك حكمة وجودنا. ولنحسن توصيل الرسائل، قبل انتهاء فرصة توصيلها.

——————
* مدرس أدب وثقافة الطفل – كلية البنات جامعة عين شمس.

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: فجوة بين الشباب ورجال الدين

عدد المشاهدات = 3790 منذ فترة طويلة وانا اشعر بوجود فجوة عميقة فى العلاقة بين …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.