السبت , 27 أبريل 2024

عادل عبد الستار يكتب: هكذا تكون التربية..!

= 1490

—–

سمعتُها تُخاطب إبنَتُها بلسان عذب وخطاب صحيح وراقى وبنبرة صوت غُلفت بحنان الأم ، سألتها عن إمتحانها …. فهنئتها بفرحة تزيد عن فرحة إبنَتُها ، وأنهت خطابها معها بكلمة “بحبك” ..

أيها السادة ربما ما سمعته من تلك الأم الرائعة الراقية هو ما دفعنى لكتابة هذا المقال ، كتبته لأقول إنه هكذا تكون التربية ، كتبته لأقول إن ما يُميز أفراد مجتمع عن أفراد مُجتمع آخر هو ثقافة ذلك المجتمع ونوع التربية السائدة فيه والتى تجعل منهم أشخاصاً ذوى هوية مُحددة وواضحة ، ولأقول أن التربية علم يجب على الوالدين إدراكه ، او إدراك ملامحه العامة، علينا جميعاً أن نُدرك أن أبناءُنا هم رسالتنا فى تلك الحياة، وربما لم نستطيع نحن تقديم شئ لهذا الحياة ، ولذلك أبنائنا فرصة رائعه لنقدم من خلالهم شيئا او أشياء للحياة حتى لا نشعر أننا زائدين عليها..

ولكن دون أن نسعى الى القولبة ونقصد بذلك عدم وضع الابناء فى قالب مُعين وإطارمُحدد لا يُمكن تجاوزه بأن يكون الاب الطبيب يريد أبنه طبيبا وهكذا ، فعلينا أن نُدرك أن لكل إنسان شخصيته المُستقلة التى تختلف عن الآخرين حتى وإن كان الاب والام أنفسهم ، علينا جميعاً كوالدين أن يكون لدينا عقل نستضيء به لننجح فى هذا الأمر، وإستضاءت العقل دائماً ما تأتى من المعرفة، كما أن تحقيق الهدف دائماً ما يبدأ بالرغبة فى الوصول إليه، علينا أن نُدرك أن أبناءنا تمر بمراحل عدة ولكل مرحلة ملامحها الخاصة بها، ولقد تحدث الطب النفسى وعلماء التربية كثيراً فى هذا الامر إيماناً منهم أن الاهتمام والارتقاء بالأبناء إنما هو إرتقاء بالأمة كلها والمجتمع بأسره..

وعلماء الطب النفسى يتحدثون عن إنه يجب على الوالدين أن يكون لديهما ما يسمى بالأبُوه والأمومة الراعية : وتشمل الحب والحنان والعطف والود والرعاية والحماية والملاحظة والمداعبة والتدليل..وأيضا الأبوة والأمومة الناقدة: وتشمل النقد والتوجيه والتعديل والأمر والنهى والسيطرة وأحياناً القسوة غير المُفرطة و يتحدثون أيضاً إنه يختلف الآباء و الأمهات في تربية أبنائهم، فبعضهم يسلك طريق القسوة وإنزال العقوبات الصارمة المؤذية والمؤثرة علي شخصية الطفل ونموه الانفعالي معتقدا أن التصويب يكون بإظهار القوة من جانبه والخنوع و الاستسلام من جانب الأولاد..

والبعض الآخر من الآباء و الأمهات تتحكم فيهم عواطفهم ويستسلمون أمام تعنت الابناء وإصرارهم علي إشباع رغباتهم فيتركون لهم الحبل علي الغارب فينشأ الابناء بمفاهيم طفولية وبسلوكيات لا مسئولة خالية من ضبط النفس ومعرفة الحدود فيمارسون ما اعتادوا عليه في أسرتهم مع المجتمع الخارجي فيُصدموا بالواقع المختلف عما نشأوا عليه و يصبحون عرضة للإحباطات و الاضطرابات النفسية.

ولذلك يدعو الطب النفسى دائماً لضرورة أن يكون هناك توازن بين الأمرين، الرعاية والحب والحنان وفى نفس الوقت النقد والتوجيه والارشاد والعقاب أحياناً (العقاب على قدر الخطأ هو مبدأ معلوم فى تربية الابناء… فلا يُعقل أن نقتل ذبابة بالمدفع!!)..

ويتحدث علماء التربية أن العملية التربوية لها خمسة عناصر وهي: المُربِّى (الاب والام) والمُربَّى (الابناء) والمنهج والزمن والمناخ، وعنصر واحد فقط من تلك الخمسة وهو المُرَبِّى يتحمل 60% من نجاح تلك العملية.

ويتحدثون أيضاً عن أن 90% من القيم والسلوكيات تنغرس فى الطفل فى الأعوام الثمانية الاولى، ومن هنا جاءت دعوتنا إلى ضرورة معرفة علم التربية ووسائله أو على الاقل ملامحة العامة كما أسلفنا من قبل.

ومن تلك الوسائل وكما أوضح أستاذنا محمد سعيد مرسى فى كتابه (أحسن مُربى فى العالم.. ص 14)

– التكرار…فلقد أثبتت الدراسات أن الانسان يذكر 10% من الشئ إذا تكرر أمامه مرة واحده، بينما يتذكر 90% منه إذا تكرر 6 مرات
– القصة … لشد إنتباه الطفل ويقظته الفكرية والعقلية
– التعليم الابتكارى…فمن المهم أن نُخرج الطفل من حيز التقليد الى حيز الابداع
– مُخاطبة العقل الباطن…أثناء النوم العميق يجب أن نهمس ونردد فى آذانهم عبارات إيجابية مثل فلان لا يكذب..فلان يحب الرياضيات وهكذا..
– التعويد… وربما تأتى هنا كلمة الامام الغزالى لتكون خير دليل حين قال ( والصبى أمانه عن والديه وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة، فإن عُود الخير وعَلِمه نشأ عليه وسعد فى الدنيا والاخرة )..
– القدوة… فلا تتصرف انت امام ابنائك بما تنهاهم عنه …تصرف دائماً بإيجابية

ايها السادة.. علينا أن نغرس ونعود أبنائنا ونعلمهم مبادئ الاسلام ومكارم الاخلاق، نعلمهم الصدق والأمانة والوفاء وبر الوالدين وحب العلم وإتقان العمل وتقدير قيمة الوقت ، نعلمهم حب الاوطان، نعلمهم عمل الخير، نعلمهم المبادئ والسلوكيات والعادات الاجتماعية الصحيحة ، نعلمهم إحترام الآخر حتى وإن اختلفنا معه (ويكفينا الاسلام مُعلماً أذا أحسنا فهمه وتطبيقه ) ولنعلم نحن أن الزاد الذى نعلمه لابنائنا صغاراً سنجد آثاره وهم كبار.

أخيراً .. دعوتى أيها السادة….هيا بنا نحفر البئر قبل أن نُصاب بالعطش.

فقد ينفع الأدب الأولاد فى صغر…. وليس ينفعهم من بعده أدبً
إن الغصون إذا عدَّلتها اعتدلت….. ولا يلين ولو لَيِنّته الخشب

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: فجوة بين الشباب ورجال الدين

عدد المشاهدات = 5099 منذ فترة طويلة وانا اشعر بوجود فجوة عميقة فى العلاقة بين …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.