الجمعة , 26 أبريل 2024

نهال مجدي تكتب: ناصر..حضور قوي وغياب أقوي

= 1206

——

هناك مثل إنجليزي شهير يقول أن الحب كالبئر، قد تشرب منه أكثر من مرة، لكنك ستسقط فيه مرة واحده فقط..هكذا هو الحب الحقيقي في حياة البشر، لايمكن ان يأتي الا مرة واحده في العمر، وأحيانا لا يأتي أبدا.

تلك قاعدة تنطبق علي الاشخاص، ولكن يأتي “جمال عبد الناصر” ليثبت أن الأمم أيضاً تقع في الحب مرة واحدة فقط. في تاريخنا الطويل الممتد عبر آلاف السنين مر بنا الكثير من الزعماء الذين لانزال نقف أمامهم بالكثير من الاحترام والاعجاب والتقدير ، وكانت مواقفهم ولاتزال عصية علي النسيان ومع هذا كان لعبدالناصر من المصريين شأناً آخر وصل في مشاعر المصريين ووجدانهم إلى مكانة لم يصل لها غيره.

دعونا نبدأ من النهاية مع مذكرات “عمرو موسى” الذي تمت الهجوم عليه بضراوة لمجرد أنه كتب ما فهم البعض منه انه هجوم علي عبد الناصر.

والغريب أن أغلب المهاجمين هم من فئة الشباب الذين ولدوا بعد ما لايقل عن عقد كامل من وفاة “عبدالناصر”.

وقبل ذلك بقليل عندما برز الفريق “عبد الفتاح السيسي” وزير الدفاع (في ذلك الوقت) في المشهد السياسي لأول، وفي ثورة 30 يونيو كانت صوره ترتفع في الميدان جنبا الي جنب مع صورة عبد الناصر، وكأن جماهيرية وشعبية السيسي وقتها كانت مرتبطة بمدي اقترابه من خط عبد الناصر السياسي والوطني..وكأنها كانت رسالة شعبية وجدانية مفادها سر علي دربه..كن ناصراً جديداً. حتي في النكات التي يبرع فيها المصريين انتشر علي الفيسبوك وقتها نكته تقول “مشكلة السيسي ان مؤيدينه شايفين فيه عبد الناصر واعداؤه برضه شايفين فيه عبد الناصر” ..

وبقدر ما هي “نكته” الا ان فيها الكثير من الحقيقة، وهناك من أخذ هذه اللقطة علي محمل الجد، وفي ذلك الوقت قال جاكسون ديل الكاتب بصحيفة الواشنطن بوست “هناك جمال عبد الناصر جديد يصنع في مصر وهو الجنرال السيسي، وان قيادة الجيش لمصر في هذه المرحلة تشكل خطورة اكبر علي إسرائيل من محمد مرسي والاخوان المسلمين”.

في ثورة 25 يناير لم يستدعي الوعي الجمعي المصري الا صورة جمال عبد الناصر لترفع في الميدان، وهو ما أراه أنها كانت إشارة للطموح المصري في الحاكم القادم..وكأن الشباب كانوا يستغيثون بجمال ويستقوون بعزيمته ووطنيته، كأنهم كانوا يروا فيه نموذجا للحاكم الذي يطمحون اليه والزعيم الذين يحترمونهم..وكأنه كان جزءا من مطالبهم..زعيما مثله.

هذه مجرد أمثلة علي عمق المحبة والتقدير التي يكنها جيلنا لعبد الناصر، أما اذا اردت أن تدرك حقيقة مشاعر من عاشوا عصره وذاقوا فرحة إنتصاراته ومرارة هزائمه، الزهو بإنجازاته وقسوة تسلطه، فما عليك إلا أن تراجع مشاهد جنازته المهيبة التي فعليا لم تشهد مصر في العصر الحديث لها شبيها..أنظر الي النساء الثكالي المتشحات بالسواد اللاتي فقدوا برحيله الأب أو الأخ أو الإبن، أنظر الي دموع الرجال التي عز ان تراق الا علي كل غالي لا يعوض.

كانت قد رحل بسلطانه وهيبته، بطلته المبهرة وحزمه الذي لايلين، رحل بقامته الممشوقة وعينيه الثاقبتين، ولكنه خلف وراءه في قلوب المصريين نهر حب جارف لا يجف أبدا. هذا مشهد أبدا لا يعرف نفاقا او رياء، ولا اري فيها الا صدقا خالصا.

حتي في المشهد الذي لايزال يثير الكثير من الجدل وهو مظاهرات التأييد لعبد الناصر بعد إعلانه التنحي اعترافا منه بدوره في هزيمة 1967، اراها كانت حقيقية ومنطقية وناتجه عن محبه وتقدير، فهناك من كان يري ناصر حلما ومثلا أعلي وكبيرا يعز عليه أن يراه في لحظة ضعف فهب اليه ليشد من أزره ويساعده في التغلب علي المحنة، المصريين الذي أعتادوا علي رؤيته شامخا رفضوا رؤيته منكسرا منكسا جبينه العالي..

وهناك من رأي وقتها أنه المسئول الأول والأخير وأصر أن يرفض التنحي ليضعه أمام مسئولياته، وحتي هؤلاء كانوا يرون فيه القدرة علي لملمة الجروح والخروج من الأزمة وأنه قادر علي الوقوف مرة أخري علي قدمين ثابتتين وأجلوا العتاب والحساب لبعد عودة الأرض، وهو الأمر الذي لم يتمهل القدر لتحقيقه.

اتفقت مع عبد الناصر أو أختلفت، كنت مؤمنا بأفكاره أو من لاعنيها.. لايمكن ألا ان نعترف أنه حالة إستثنائية شديدة الخصوصية في تاريخنا المعاصر ويمكن في تاريخنا كله..

وأخيرا تكفي كلمات الخال الأبنودي في رثائه:

ازاي ينسينا الزمان..طعم الاصالة الي في صوته
يعيش جمال عبد الناصر..يعيش جمال حتي في موته

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: فجوة بين الشباب ورجال الدين

عدد المشاهدات = 4539 منذ فترة طويلة وانا اشعر بوجود فجوة عميقة فى العلاقة بين …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.