الجمعة , 26 أبريل 2024

أطفالنا..والعلاج بالأمل..!

= 2876


بقلم: د. علا المفتي *

وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (87 ، يوسف). هكذا أوصانا الله في كتابه الكريم ، أن نحيا بالأمل وألا نسمح لليأس أن يمس أرواحنا. وألا نفرح الشيطان بغرس بذور الحزن في قلوبنا. فالحياة تعج بأمواج الأزمات ،ومنعطفات الصدمات. فإن فقدنا الأمل ،لن نعبر مطلقا إلى شطآن النجاة ،ولن نحيا بسعادة ورضا ،بل سنعيش معذبين مؤرقي القلب والعقل ،ونسقط فريسة للضغوط النفسية التي تقود بدورها للأمراض النفسية.

ومن هذا المنطلق ،ظهرت مصطلحات جديدة في مجال علم النفس الإيجابي مثل “نظرية الأمل” وما يسمى “العلاج بالأمل”. فما هو معنى الأمل إذن؟

عرف Snyder etal 2000 مصطلح الأمل علميا ،على أنه “حالة انفعالية موجبة تعتمد على الشعور بالنجاح ،وطاقة موجهة نحو الهدف ،والتخطيط لتحقيق هذا الهدف”. وهنا يتبادر للذهن سؤال ملح هو متى نحتاج للأمل؟ إننا في العادة نتطلع لشعاع الأمل في جل لحظات الحياة ،لكن هناك أوقات بعينها ،نجد أننا أحوج له بشدة من أي وقت آخر..وعلى وجه الخصوص أثناء التعرض للصدمات والأزمات والخبرات المؤلمة ،على اختلاف أشكالها.

وإن كنا نحن الكبار في حاجة ملحة للأمل ،فإن الأطفال في حاجة أشد إلحاحا ،لزرع الأمل في نفوسهم ،كي يستطيعوا مواجهة ما قد يتعرضون له من خبرات غير سارة ،وأزمات نمو أو صدمات حياتية ،كفقدان الوالدين أو أحدهما ،والتصدع والعنف الأسري ،والاساءة والانتهاك الجسدي والجنسي إلى آخر ذلك ،من خبرات سيئة قد تؤدي بالطفل إلى اضطرابات نفسية ،وسلوكية تؤثر على حاضره ومستقبله. وذلك لأن الطفل لا يمتلك مهارات مواجهة الضغوط ،وآليات الدفاع. لأن الطفولة مرحلة حرجة ،تجعل الطفل أكثر عرضة لاضطراب التوازن ،ونقص التوافق مع الذات والمجتمع. وهنا تبرز أهمية مايسمى “العلاج بالأمل”.

ويحضرني في هذا السياق ،مثال يعبر عن فكرة العلاج بالأمل ،لطفلة لم تتجاوز الخامسة من عمرها. فقدت والدها فجأة في حادث. وكان التحدي الأكبر الذي يواجه أم تلك الطفلة ،هو كيف ستخبر ابنتها بهذا الخبر المفزع؟! وهل ستفهم وتدرك ابنتها الموقف أم لا ؟!وما مدى الإيذاء النفسي ،الذي يمكن أن تتعرض له طفلتها؟!

وحاول المحيطون بالأم ،معاونتها بإسداء بعض النصائح ،وأقترح بعضهم أن تخبر طفلتها ،أن الوالد قد سافر سفرا طويلا. إلا أن الأم رفضت أن تعلق ابنتها بأمل كاذب ،قد يتسبب عنه صدمة أكبر في المستقبل ،فتنعدم ثقة الطفلة في أمها. وأخيرا وجدت الأم الحل. فعندما بدأت الطفلة ،تسألها عن سبب غياب الأب. كانت تجيبها بأنه تعرض لحادث خطير ونقل للمستشفى. ثم أوضحت لها تدريجيا أن حالته خطيرة ،وأنه يتألم بشدة. ولأن الله يحبه جدا ،فقد رحمه من آلامه ،وأرسله إلى الجنة. ﻷنه في الجنة ،سيعيش سعيدا بلا ألم بين الملائكة ،وينعم بأنهار من عسل ولبن. ويلبس الحرير ،ويأكل من أشهى الثمرات.

فتعجبت الطفلة ،وتساءلت ببراءة: لكننا لن نراه بعد الآن؟!

فقالت الأم باسمة: سيزورنا في الأحلام ،لأن الأرواح تتقابل عند النوم. وهو ينتظرنا إلى أن يأتي الوقت ،الذي نتقابل معه سويا في الجنة ،ونسعد جميعا. هو الآن سعيد ،ومبتسم ،ويجب علينا أن نسعد من أجله.

لم ترد الطفلة على ما قالته أمها. لكن الأم استشعرت أن إجابتها أرضت الطفلة ،وأشعرتها بالطمأنينة. وفيما بعد ،بدأت الطفلة ترسم والدها في الجنة ،بين الزهور والرياحين. معبرة عن رضاها وإحساسها بالأمل ،في أنه يحيا حياة سعيدة ،بالرغم من أنها لن تراه مجددا.

إن تلك الأم استطاعت ،أن تحول صدمة الفراق إلى أمل في اللقاء ،وتحقيق السعادة عند طفلتها. واستطاعت أن تساعد ابنتها ،على التكيف مع مصاعب الحياة ،وعبور الازمات في سلام. وهكذا فهناك طرق عدة ،لخلق الأمل في نفوس الأطفال الحزينة ،ومساعدتهم على الصمود ،وتخطي الخبرات القاسية. ومن تلك الطرق:

– تعويد الأطفال على النظر للأمور نظرة تفاؤلية.
– غرس مبدأ حسن الظن بالله في وجدان الأطفال.
– تدريب الأطفال على رؤية النقاط الإيجابية في الأشياء والموضوعات مهما بدت سلبية وسيئة.
– توعية الأطفال بأن لكل مشكلة حل مهما كانت معقدة أو طال وقتها.

وعلى المعنيين والمهتمين بمجال الطفولة توفير:

– الاهتمام بالأنشطة الجماعية التي تقوي المهارات الإيجابية في التعامل مع الآخرين.
– تقديم دورات في التنمية البشرية للأطفال لمساعدتهم في التعامل مع المشكلات الحياتية.
– تنمية المشاعر الإيجابية لدى الأطفال وتدريبهم على التعبير عنها بالطرق الملائمة.
– توفير الخدمات النفسية للأطفال لتحقيق مستوى مناسب من الصحة النفسية والتوافق الاجتماعي السليم.

وختاما فإن الأمل روح الحياة ،وقلبها النابض. فبشروا ولا تنفروا. ويسروا ولا تعسروا. وتفاءلوا بالخير تجدوه.

———–

* مدرس أدب وثقافة الطفل بكلية البنات – جامعة عين شمس.

شاهد أيضاً

د. عائشة الجناحي تكتب: لو كان خيراً

عدد المشاهدات = 3307 ألطاف رب العالمين تجري ونحن لا ندري، فكل شر يقع بنا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.