الجمعة , 26 أبريل 2024

سيدتي ..ربي زوجك أولا!

= 3624


بقلم: د.علا المفتي

قابلتني مصادفة، وأنا في طريقي إلى العمل. كانت واجمة، تحمل عيناها كثير من علامات الاستفهام اليائسة. وما أن رأتني، حتى تهللت أساريرها، وسلمت على، بلهفة من وجد ضالته المفقودة قائلة: جيتي في وقتك أنا محتاجة مشورتك.

استمعت إلى صديقتي باهتمام، وهي تروي لي مشكلتها في تربية طفلتها الوحيدة، التي أنعم الله بها عليها، بعد سنوات طويلة من الزواج. كانت صديقتي تتحدث بمرارة، من زرع نبتة صغيرة جميلة، فجاءت الريح لتعصف بها، وتنزعها من جذورها. والغريب أن تلك الريح، هي من جاءت ببذرة هذه النبته منذ سنوات قليلة.

كانت تلك الريح، هي زوجها ووالد طفلتها الذي يحبها بقوة. فقد كرس حياته لتلبية مطالبها، وبالغ في اهتمامه وتدليله وحبه لها. فبينما كانت أمها تحاول تقويم سلوكها، وتعليمها الاعتماد على الذات، وتحمل المسئولية بالقدر الذي يسمح به سنها. كان الأب يبالغ في التدليل، والحماية، والاهتمام الزائد، حتى باتت الطفلة، لا تطيع أمها ثم تمردت عليها، وأصبحت تهددها بالأب أيضا. لاسيما وهي تراه ينهر أمها أمامها، ويكسر هيبتها، ويحرض طفلته على عدم تنفيذ أوامر أمها، بحجة أنها لازالت طفلة صغيرة، وعلى الكبار أن يرعوها، ويخوضوا معاركها نيابة عنها.

هالني ما سمعته من صديقتي المسكينة، التي كانت تشكو لي بمزيد من الأسى، والإحباط وتسألني الحل. فما كان مني إلا أن قلت لها: يا سيدتي .. ربي زوجك أولا تستقيم ابنتك.

إن هذا الأب، لا يعي واجبات دوره الاجتماعي كوالد. ويمارس بوعي مغلوط، أساليب تربوية خاطئة، تهدم البناء النفسي لشخصية ابنته. وتصنع منها شخصية متواكلة أنانية، اعتمادية، غير متحملة للمسئولية. كما أنه يحطم صورة الأم في عيني ابنتها.

إن أساليب التربية الوالدية السلبية، المتمثلة في اختلاف وتضارب أسلوب التربية بين الأب والأم، وعدم اتفاقهما على أسلوب معين في التربية، والشجار أمام الطفل، والتذبذب في معاملته من موقف لأخر، يخلق منه شخصية مهترئة مشوهة.

إن حبنا لأطفالنا ليس مبررا لكي نهدمهم بأيدينا. فهذا هو الحب بوجهه السلبي المرضي، الذي من أعراضه الاهتمام المبالغ فيه والحماية الزائدة غير المبررة. إن الحب الأبوي حب رشيد عاقل حكيم، يجب أن يتصف به كل من أقدم على مغامرة الأبوة. وتقويم الأبناء بالثواب والعقاب، لا يعني أننا قساة القلوب، أو أننا لا نحبهم.

ومثل هذا الأب في نظري، مجرم في حق ابنته، وزوجته ونفسه، والمجتمع أيضا. فهو يبني شخصية غير مسئولة ستتمرد عليه يوما ما. ويحطم علاقة أم بطفلتها، ويشوه صورة الأم والزوجة في مخيلتها. كما أنه يقدم للمجتمع شخصية مريضة.

لذا أقول لصديقتي، ولكل من تعاني مثلها ثقفي نفسك، وزوجك تربويا قدر المستطاع من خلال القراءة في مجال علم النفس والتربية، ومتابعة البرامج والندوات التربوية إلخ.

ولا تثوري عليه أو تلجأين للشجار. بل استخدمي أسلوب مقنع، وكوني صبورة. ولا تلجأي لأسلوب الوعظ والإرشاد. لكن انصحيه بطريقة غير مباشرة، فمثلا إحكي له بعض التجارب التربوية للأهل والجيران والأصدقاء، وكيفية تعاملهم مع أبناءهم والأخطاء التي يقعون فيها أثناء التربية. وكيف يمكنهم علاجها.

وعرفيه أن ليس كل اساليب التربية التي يتبعها الأهل والأصدقاء سليمة، فهناك ما يصلح منها، وهناك ما لا يصلح مع أبنائنا. فهناك فروق فردية بين الأطفال فلا داعي لأن نقلد غيرنا.

فيا كل من يرغب في أن يكون أبا أو تكون أما، تعلموا فن الوالدية أولا، وثقفوا أنفسكم تربويا ونفسيا قبل أن تفكروا في الإنجاب. ولا تربوا أبناءكم، كما تربيتم أنتم، فقد خلقوا لزمان غير زمانكم. وأنسوا التعامل بمبدأ الجاهلية “هذا ما وجدنا عليه أباءنا”. ربوا أنفسكم أولا ، كي يمكنكم تربية أبناءكم.

شاهد أيضاً

د. عائشة الجناحي تكتب: لو كان خيراً

عدد المشاهدات = 3864 ألطاف رب العالمين تجري ونحن لا ندري، فكل شر يقع بنا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.