السبت , 18 مايو 2024

“وطأتان”…قصة قصيرة بقلم منى طالب النجم

= 2521

كان يدأب على العمل ليل نهار ليقيم أود سبعة أطفال جياع وأم وأبوين، يمضي في دربه سارحا ومتمتماً مُحدثاً نفسه الغارقة بآلامِ العَوز والهمِّ .. متى ينتهي هذا العوز في بلد يعيش اغلب أهله تحت خط الفقر؟ بينما تذهب خيراته إلى دول مجاورة دون مقابل.

سبعة أفواه جائعة ومعها أفواه أخر؛ أم وأب وجد وجدة . يا الله متى تنتهي هذه المعاناة؟ متى يزور الدار الموت ليخففّ عنّا ثقل الجوع لنوفر لقيمات الآخرين للصغار.. يتمنى لو اخذ الموت الأكبر فمن يليه. -: الموت!؟ قفز كالملسوع أو كمن لدغته أفعى. .. الموت!!…. لا لا …. ليعش من يعيش فالخسارة أقل، ففي مراسيم العزاء يجب أن تُذبح الخراف وتنصب السرادق لتلقّي الوافدين لقراءة الفاتحة.

سيكثر الدائنون وستكون الوطأة وطأتين؛ فراق مؤلم وخسارة مالية باهضة، الدائنون كثر والأفواه غرثى وهاهم الأولاد يتقاطرون إلى المدرسة من غير فطور الصباح التقت عيناه بعيون ابنته الصغرى ذات العشر سنين .

(بابا أعطني (يومية( المصروف اليومي الضئيل الذي يضن به على الأولاد ليعطيه لها، فكر أن يُبقي المبلغ البسيط ليشتري سيجارة، لكن إلحاح الطفلة سدّ عليه الطريق، وقرر الإيثار..( نعم يا روح بابا هذا مصروفك اليومي خذيه). ضحكت عينا الطفلة وهي تلمس ذاك النقد الصغير، شكرت أباها بقبلة ومضت جَذلة.

ظلّ الأب يرمقها بنظراته حتى توارت .. مطمئنا أنها ستشبع بما وهبها، فكر أبوها قائلا :- ماذا لو عندي الكثير من النقود؟ لأفرحَ جميع أولادي) ولكن… غامت عيناه ذهولا وهو يفكر في المجهول، فرك يديه ومشى لا يلوى على شيء.

في المدرسة توافد الطلاّب على أم الحانوت وهي أرملة أربعينية تنوي إعالة أطفالها ببيع (لفات الفلافل) تشرف على آنية كبيرة للزيت لم تستبدله منذ دهر طويل. تقلي فيه كرات الحمص المثروم (الفلافل) لصنع (سندويش) يسكت جوع الأطفال بنقد ضئيل كضئالة حظ الأب المفلس. اشترت الطفلة (سندويشة) وتنحّت جانبا لتأكل؛ أُغمي عليها بعدما أكلتها فورا.

وسرعان ما استدعت أدارة المدرسة الإسعاف ،ليصل سائقها وقد فارقت الطفلة الحياة مسمومة.
الأب مصعوقا من الخبر، يكاد لا يصدق …أنهكه الحزن حد الإغماء وانتابته موجة غضب هستيرية،
هلع الرجل
لسماع الخبر
وثب من مكانه ليستطلع الامر بروح ذائبة ،فربما لايعدو الأمر سوى كذبة او مزحة ثقيلة،ولربما يكون اغماء وتستفيق.

توجه نحو المشفى بخطوات يجّرها جرا ،طأطأ عند الجثة بظهر مكسور ناحت روحه بصوت يفتت الصخر رفع شرشف المشفى الأزرق عن وجهها الحبيب وجدها مصفرّة الوجه شاحبة اللون وقد اختفت نظرتها المتفائلة التي كانت تعيد الأمل الى روحه المتعبة حاول ان يوقظها ,,استجمع كل رغباته داخل روحه ليسأل الله ان يأخذ روحه مكانها ان يفتدي ضحكتها الجميلة بما تبقى من عمره المعجون بالحزن والعوز والوجع صرخ بوجه السموات لتسمع آخر صيحاته فوق جسدها الصغير وتمنى لو يحضنها ويناما الى الابد.

غمغم بصوت موجوع ،
:- (ايمان بوية هديتي حيلي)

شعر كأن السماء أطبقت على رأسه؛ هرش شعر رأسه بوجوم وأدرك أنه يعيش الوطأتين.

——–
* كاتبة عراقية.

شاهد أيضاً

(جميعهم أغراب)…بقلم: نبيلة حسن عبدالمقصود

عدد المشاهدات = 6651جميعهم أغراب إلى أن يثبت العكس. يظل كل شيء جميلا من الظاهر …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.