الأحد , 19 مايو 2024

هبه عمر تكتب: السكن والوطن والمضاربة!

= 1636

Heba Omar


لم أتعجب كثيرا حين علمت من المهندس حسين صبور رئيس شركة الأهلي للتنمية العقارية أن أسعار العقار ارتفعت بنسبة 200% في مدينة المستقبل خلال عامين فقط، بعد نجاحها في جذب شركات عقارية كبري لتنفيذ مشروعات بها، وهي مدينة تساهم فيها عدة بنوك وشركات في الامتداد الشرقي للقاهرة الجديدة علي مساحة 11 ألف فدان، لم أتعجب لأن ماحدث خلال العامين الماضيين وقبلهما كان "يبشرنا" بأن أسعار العقارات سوف تستمر في القفز بجنون، لتبتلع معها كل محاولات محاصرة أزمة السكن في مصر ! 

نمو أسعار العقارات في مصر بلغ 8% خلال الربع الثاني من عام 2014/2015، وهي نسبة تفوق متوسط الزيادات علي المستوي العالمي وفقا لتقرير عن سوق العقارات المصرية أصدرته مؤسسة جونزلانج العقارية المتخصصة، وتوقعت فيه مزيدًا من الزيادة نتيجة ارتفاع أسعار الأراضي ومواد البناء!

ومع هذا النمو المتسارع في الأسعار، تتراجع القدرات الشرائية لدي الشريحة الأكبر من المصريين، ولا يتفق المعروض من الوحدات السكنية مع المطلوب منها ؛ خاصة في ظل انخفاض معدلات دخل الفرد في مصر، لأن متوسط الدخل السنوي للأسر المصرية يقف عند 30.5 ألف جنيه، طبقا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء عام 2012/2013، في نفس الوقت الذي ترتفع فيه أسعار كل عناصر البناء، وتزداد فيه المضاربة علي الأراضي التي تطرحها الدولة لشرائح الدخل المتوسط وما فوقها، ويستمر فيه الاعتداء علي الأراضي الزراعية وتحويلها الي مبان تفتقد لكل أصول التخطيط والتنظيم ولكنها تلبي جزءا من الحاجة الشديدة لسكن بسعر معقول! 

وحين بدأت أزمة السكن في الظهور في سبعينات القرن الماضي كانت شركات الاسكان بالقطاع العام هي المسيطرة علي حركة التنمية العقارية وكانت تلبي احتياجات أبناء الطبقة الوسطي والعاملين بدول الخليج، بينما ظل أبناء الطبقات محدودة الدخل لايجدون مايناسب دخولهم في سوق الاسكان خاصة مع تزايد الهجرة من الريف الفقير الي القاهرة والإسكندرية مما خلق بداية ظهور المناطق العشوائية علي أطراف المدن، واختلف الأمر في فترة الثمانينات مع ظهور المدن الجديدة وزيادة حركة العمران والاستثمار، لترتفع أسعار الأراضي ومواد البناء ويبدأ ظهور القطاع الخاص بصورة أكبر في مجالات البناء، ويظهر اتجاها قويا لإنشاء الاسكان الفاخر والمنتجعات السكنية، بينما تبني الدولة الاسكان المتوسط والاقتصادي والشعبي الذي لا يحقق ربحا ويواجه مشاكل عديدة في تنفيذه.

لتأتي فترة التسعينات وقد أصبح الاسكان الفاخر هو الأصل، والأكثر جذبا للاستثمارات في مجال البناء، والأكثر قدرة علي تحقيق نموا في القطاع العقاري، ويتطور إسكان الدولة أيضا ليحقق مفهوم "جودة الحياة" ببناء مشروعات مثل إسكان الشباب وإسكان المستقبل، ولكن تظل الفجوة قائمه بين مايحتاجه الناس ويمكنهم تحمل تكلفته وبين مايتم بناؤه بالفعل، ويتراوح حجم العجز في الوحدات السكنية كل عام بين 300 الي 800 ألف وحدة سكنية!

بينما القادرون علي البناء لأنفسهم يعجزون عن الحصول علي أرض بسعر مناسب من الأراضي التي تطرحها الدولة بنظام القرعة، فهو يعتمد علي الحظ الذي لا يحالف الجميع بالتأكيد، بينما يتربص سماسرة الأراضي بكل مايتم طرحه للمضاربة وإشعال الأسعار! كان أحد الحلول المطروحة منذ سنوات للتغلب علي ارتفاع أسعار العقار المستمر وعدم تناسبه مع دخول معظم المصريين هو تطبيق نظام التمويل العقاري،وبعد اصدار القانون المنظم له وتطبيقه لم يحقق الأمل فيه، وتم تعديله مؤخرا، ولكن النظام نفسه مازال بعيدا عن ثقافة المصريين وقدراتهم.
————
hebaomar55@gmail.com

شاهد أيضاً

إنجى عمار تكتب: التحلي والتخلي

عدد المشاهدات = 2687 نقطة واحدة فارقة كالحجر الصوان ارتطم بها رأسنا لنعيد اكتشاف أنفسنا. …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.