الخميس , 9 مايو 2024

نهى القاضي تكتب: رجل من زمن الحب..!

= 1615

Noha Kady


نحن نعيش أَوْج عصرالسطحية.. حيث عقد الزواج أهم من الحب،مراٍسم الدفن أهم من الميت، اللباس أهم من الجسد. وماذا عن الحب ؟ أو مازال هناك من يحب؟.. أو مازال هناك من حتى بات يؤمن بالحب؟

كنت قد فقدت الأمل في ذلك استنادا إلى مكينة واقعي الذي أعيش فيه.. فالمدينة تأكل فينا كل شئ حتى عواطفنا.. نتحرك في أمواج ما بين مد وجذر.. ولا نتقابل مع أنفسنا إلا في لحظات قليلة كغرباء.. رحلة قصيرة لقرية تبعد عن القاهرة بعدد من الكيلومترات ولحظة من تلك وموعد غير مرتب مع شخص من هؤلاء الذين يحبون بالفطرة لم يقرأوا كتبا عن الحب.. لم يألفوا شعرا.. فقط هم يحبون.. كيف.. ولماذا.. أترككم مع صاحب التجربة ذاتها ليخبركم بدقات قلبه منذ أول نظرة..

الأستاذ جيوشي :

تعرفنا الي بعضنا في الاجازة الدورية من الجيش.. لأصادف "هانم" تلك البنت رائعة الجمال والرقي تستذكر دروسها مستظلة بشجرة في قلب الغيط محاطة بالورود والاشجار وكأنها ملكة متوجة جالسة  تتأمل ملكها، تسللت بالقرب منها لأجد زهور "البسلة" متفتحة، فسألتها مدعي جهل، اى زهور هذه؟ 

جاوبت  ببراءة بما اعلم جيدا وتبادلنا اطراف الحديث على عجل كان ذلك قبل 32 عاماً حيث لا تليفونات في الأرياف ولا أي وسيلة اتصال تذكر ، وفي يومي ذاك لم اذق طعم النوم ولم استشعر قلبي، كان قد اختطف منى ايما اختطاف وبقي مكانة فارغاً قاسياً لم اتذكر انى تقريبا لم اذق للنوم طعماً في هذة الليلة واصبحت باكرا اتحدث إلى والديا انني اريد الزواج بهذه البنت التى كانت جالسة في طريقي .. وعندما سألت عن من هى وما اسمها ومن اى عائلة تنتمى تذكرت انة لم أسال عن حتي اسمها ..
 
وفي زيارة اخري قادتني الصدفة اليها مجدداً لأتمم خطبتى بعد قضاء مدة جيشي .. كنت وقتها اتممت الثالثة والعشرين وكانت هى في الثامنة عشر..

وعن تاريخ اول قبلة يحكى الاستاذ " جيوشي" وعينيه تلمع ببريق عجيب وشفتيه تعلوها الابتسامة … "كنت بصدد السفر للأردن كان أهم يوم بالنسبالي  ذهبت لأودعها ولا شعوريا وجدتها تبكى حزناً لفراقي فما كان بي إلا ان اسحبها لحضني واضعاً بصمتي علي شفاها وكانت جيدة بالنسبة لشاب كانت هذه اولى فعلته! 

سافرت بعد وداعنا لنتبادل الخطابات والشرائط المسجلة .. ليس كما الان بضغطة زر تجد من تريد امامك كانت دنيانا اجمل واكثر بهجة وجمال .. لا يتخيل مخلوق كم سعادتي عند وصول شريط "هانم" المعبأ بصوتها .. سعادة وشغف يفتقدها جيلكم الضائع بين أزرار الكيبورد التي تخترقه بل تستنفذه وتفرغه من مشاعرة "متحدثاً إلي"..

يقول الناس ان نهاية الحب الزواج ولكن حبي ابتدأ منذ زواجي لأحيا اسعد أيام العمر واتذوق من نهر عسلها الذي كان لا يجف .. يقف مقتطعا سردة قائلا "كنت بتحبنى موت وكنت احبها لدرجة لا أستطيع وصفها ".. 

يسترسل : تزوجنا ورزقني منها الله ثلاث اولاد ..عشنا حياه لا أظن انها تتكرر .. كنا كثيري السفر رغم ضيق ذات اليد كنا نستقل المواصلات ذاهبين الي كل مصايف البلد دى ..

– مكنتش بتحس بملل يا عم جيوشي احياناً ؟ 

– ابداً كنا تحتمل لحظات ضيق بعضنا، وعن الملل احب اقولك ان كان راتبي ضايع معظمه علي كروت التليفونات لأذهب الي عملي بالمدرسة واظل اهاتفها مطمئنا ومودا وهائماً احياناً كثيرة 

 كانت عاشقة لأم كلثوم كان يملأ صوتها جنبات البيت كل خميس تعد لنا العشاء لتبدأ السهرة ومع الطاولة التى كنت اتعمد ان اتركها لتفوز بها "رغم ما أتحمله من عبء الرهانات" فقط  لأري لمعة عيونها وهى قافزة تهلل "لقد غلبتك" لأرد "لقد فعلتها منذ زمن بعيد" !

وبلا مقدمات يأبي القدر ان لا يمر الا فوق اجساد الجميع، عصف القدر بحبيبته في لحظة.. ذلك القدر الذي حنى عليه 24 عاما كاملة.. كان قاسيا وكأنه أراد أن يسترد منه كل ما منحه إياه من ضحكات وابتسامات  وحياه هانئة مع حبيبته.. بطلنا نصف قلبه مات.. ومازال حيا بالنصف الآخر ليتذكرها به.. كعادتهما تبادلا الضحكات قبل أن يستقلان «البيجو» عائدين من زيارة عائلية لهم بالصعيد.. 

جلس بجوار زوجته يضحكان ويتبادلان الكلمات، كانت تحفهم الملائكة أو إن كنا أصدق وقعا كانت الملائكة تجلس في إحدى مقاعد السيارة.. وفي لحظة مشئومه كما وصفها «عم جيوشي» اصطدمت سيارتهم البيجو بسيارة طائشة جاءت مسرعة لتختطف حب العمر.. انقلبت السيارة عدة مرات متتالية وكأن الموت يركلها بقدمه.. علي جانبي الطريق وقفت السيارة من انحدارها.. وبعض منهم مدفون في رمال الطريق الصحراوي للمنيا »صعيد مصر» ليخرج بطلنا الاخير من السيارة، متأثراً بجراحة ويذهب كالمجذوب يبحث عن حبيبته ليجدها ملقاه مستقرة علي جانب الطريق بلا جروح او أصابات، يضعها على صدره ويفيقها لا تستجيب.. يهزها بكلتا يديه لا تجيب.. يتسلل الدم من أنفها وثغرها الذي لطالما تسللت منه الضحكات.. 

بقلب ينبض لكنه يأتي من مكان بعيد يقل صداه كل لحظة، يتوسل الرجل بالقاصي والداني يقبل قدم الضابط ليسعف زوجته.. فلا يأتيه منه إلا كلمة ممنوع.. ممنوع.. بعد ساعة ونصف من العذاب حتى جف نبع الدموع تأتي سيارة الإسعاف متثاقلة الخطى .. وعلى سريرها وضعت هانم وأمامها جيوشي يضع يديها على رأسه وهو يبكي ينظر لوجهها ويتذكر أول لقاء جمعهما.

شاهد أيضاً

ياسر عامر يكتب: “يا باشا كل سنة وأنت طيب”!

عدد المشاهدات = 2739بعد ما ولي الشهر الكريم وكلنا الكعك والبسكويت والرنجة ومر علينا العيد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.