الأربعاء , 8 مايو 2024

مرفت العريمي تكتب: عزيزتي الإجازة

= 1304

Mervat Oraimy 2

 

الى إجازتي المدرسية، وكل من يفتقد الاجازة المدرسية، ومن يقضي إجازته الآن أكتب هذا المقال، وأقول لهم: تمتّعوا، واستمتعوا بها، فلا شعور أجمل من قضاء إجازة مفيدة، وصحية .

عندما توظفت شعرت بالحنين إلى الإجازة المدرسية، وكم تمنيت أن أمتلك ساعة الزمن كي أعود بأدراجي إلى أيام المدرسة لقضاء وقت ممتع في إجازة صيفية، يالها من اجازة لذيذة، ولطيفة! كان لها طعم آخر غير الإجازة السنوية، ليست لأنها طويلة، لكن لأنني كنت أشعر حينها بشعور القائد المنتصر الخارج من معركة بغنائم، فمشى خطوات واثقة ، فبعد أن اجتزت عاما دراسيا بحلوه، ومرّه مع أن أكثر ما افتقده هو رفيقاتي خصوصا، وأن البعض منهن ينتقلن الى مدارس أخرى، كنت أشتاق جوّ المرح، والمغامرات داخل أسوار المدرسة، والاقرب من مغامرات توم سوير، والأنشطة المدرسية التي اكسبتني الكثير من المعارف خارج المنهج الدراسي، ولا زلت أشعر بمذاق، وعبق الإجازة كلما استرجعت ذكرياتها الحلوة .

إجازه نهاية العام الدراسي تختلف عن بقية الاجازات، فلها طعم آخر لا تضاهيه أية إجازة أخرى، لأنها تأتي بعد اجتياز عام دراسي بامتحاناته، وواجباته وسهر الليالي، لاعداد الملخّصات، والامتحانات، وأعتقد حتى والديّ كانا يفرحان بقدوم الإجازه الصيفية، بل الأسرة كلّها، فهي إجازة أسرية من الدرجة الأولى، إجازة من القلق، والمتابعة الحثيثة للمعلمين، والمدرسة، والنقل، والواجبات، وإعداد الأطعمة الخاصة، والصحية التي تفوق ما تقدّمه المطاعم، وأشعر إنهما كانا يتنفسان الصعداء بعد ما يقارب من تسعة أشهر من حالة الطوارىء، وتتنهي هذه الحالة عند اقترابي منهم، وأنا حاملة الشهادة، وكشف الدرجات ، فتقرأ والدتي بهدوء، وصمت تعابير وجهي باحثة عن النتيجة في وجهي قبل أن تتّجه بنظرها في الورقة الكرتونية (كشف الدرجات)، حينها فقط يعلن منزليا بدء الإجازة الصيفية .

للإجازة طقوس مختلفة أستعد لها منذ بداية العام الدراسي بالمذاكرة الجادة، وأحيانا بأسابيع قبل بدء الفصل الدراسي باحثة عن أفضل النظريات، والكتب، والمراجع التي تساعدني على هضم المعلومات خصوصا غير المستساغة، وفي هذه المهمة الصعبة يشترك الجميع في انجازها من والديّ العزيزين إلى أخواتي الجميلات، لأن نتيجه نهاية العام الدراسي هي ما تحدد نوع الإجازة التي سأقضيها، هل ستكون إجازة سعيدة، تتحقق كل أحلامي الصيفية؟ أم سأقضّي إجازة لا تخلو من مزيج نظرات العتاب، والشفقة إن فشلت لا سمح الله .

إنّ المتعة الفعلية للإجازة ليست في النوم، والراحة، بل بالشعور بالحرية، وإنني سيّدة وقتي، أفعل فيه ما أشاء، وأقضّي وقتا في القراءة، والتنزه مع الأسرة بدون واجبات، أو امتحانات ، كان والدي -رحمه الله -يهتم كثيرا بتخطيط وقت الإجازات ببرامج خاصة تجمع بين المتعة، والمعرفة، فالإجازة تعني قراءة الكتب، وزيارة المتاحف، والتعرّف على الطبيعة، والبيئة المحيطة بالإضافة الى الترفيه، واللعب مدركا أن وقت الفراغ يجب أن يستثمر في عمل مفيد وصقل شخصياتنا .

في عام 1970 تم وضع الميثاق الدولي للفراغ الذي تمّ إدراجه ضمن الاعلان العالمي لحقوق الانسان عندما وجد العالم أنّ وقت الفراغ بات مشكلة تؤرق المجتمع الدولي، وذلك لسببين: الاول طول الإجازة، وثانيا العجز عن معرفة كيفيّة استغلالها، فقامت الدول بايجاد أماكن لقضاء وقت الفراغ كالمعسكرات، و الأندية الرياضية، والترفيهية، والحدائق العامة، إضافة إلى البرامج المتخصصة التي تنفذها المؤسسات سواء في فترة الاجازت الطويلة، أو الإجازات الأسبوعية..

 فعلى سبيل المثال لا الحصر، توجد في معظم دول العالم المتقدم وبعض من الدول العربية عدد كبير من المعسكرات التي تتلاءم مع كافة الفئات العمرية، فمثلًا هناك مجموعة هائلة من المعسكرات في أمريكا، وأوروبا بكافة مناطقها تقدم مناشط متنوعة من ثقافة، وتعليم لغة، و التدريب على مهارات كالتصوير، والتخييم، والفن التشكيلي، والرحلات الاستكشافية، والسينما إلى جانب تدريبهم مهارات الحياة، والاستعداد للاجازة الصيفية التي تعد كابوسا لدى بعض الأسر، فالأبناء طاقة تحتاج الى سبل تصريفها ، ولا تملك كل الأسر المال الكافي لذلك، و قد ينصاع الأهل الى اختيارات الأبناء، وانضمامهم إلى أحزاب كحزب النوم، وحزب مشاهدة كل غثّ وسمين من الفضائيات ، وحزب الهائمين بلا غاية، أو هدف، أما الحزب الأخير، فهو الحزب الافتراضي الذي يسبح في عالم انستجرام، وتويتر، وسناب تشات، وغيرها .

وهنا تتجلى أهمية التخطيط للإجازة الصيفية من قبل الأسرة تخطيطا يستثمر فيه الطاقات بايجابية لتحقق المنفعة للفرد، والمجتمع ، فهدرالطاقات قد لا يتوقف عند نقطة معينة، فالبعض قد ينزلق إلى هوّة الإنحراف، والسلوكيات الخاطئة إن لم تكن الأسرة حاضرة تربويا وتوجيهيا بتخطيط الاجازات، وعدم تركها فارغة بلا هدف بالبحث عن البرامج الهادفة التي تقدمها المؤسسات الخاصة، والحكومية، والمجتمع المدني التي تفتح أبوابها للجميع حتى لاتكون الاجازة سببا في انحراف الطاقات عن السبيل القويم .

 

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: وداع يليق بإنسان جميل

عدد المشاهدات = 1891 صدق المبدع مرسى جميل عزيز عندما قال : على طول الحياة.. …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.