بقلم: د. سناء الجمل
في حياة كل إنسان، لحظة رفض مؤلمة أو تجربة فشل صادمة، سواء في علاقة، وظيفة، مشروع أو حتى موقف بسيط أمام الآخرين. هذه اللحظات قد تترك في النفس ندوبًا خفية، وتضعف ثقة الإنسان في نفسه، فتتحول من مجرد تجربة إلى قيد نفسي يمنعه من التقدم.
لكن الجميل في النفس البشرية أنها قابلة للشفاء، ويمكنك أن تعيد بناء ثقتك بنفسك من جديد. من خلال خطوات عملية وعلمية تساعدك على استعادة ثقتك بنفسك بعد التعرض لتجربة الفشل أو الرفض.
أولا: اسمح لنفسك بالشعور, أول خطوة في العلاج هي أن تعترف بما تشعر به دون إنكار أو تهوين. لا تقل “مش فارقة” أو “أنا جامد ومش بزعل”، فالقوة لا تعني إنكار الألم، بل التعامل معه بوعي. واسمح لنفسك أن تحزن، أن تغضب، أن تتألم, لكن لا تَعلق في هذه المشاعر، ولا تجعلها تتحول لهوية تعيش بداخلك,ببساطة “اشعر بما تمر به… ثم مرّ منه.”
ثانيا: افصل بين “الفشل” و”قيمتك الذاتية” كثير من الناس يربطون بين ما يحدث لهم وبين قيمتهم. فإذا رُفضت من شخص أحببته، تبدأ تردد داخليًا: “أنا مش كفاية”… وإذا فشلت في مشروع، تقول: “أنا فاشل”., لكن الحقيقة أن الرفض لا يعني أنك غير جدير والفشل لا يعني أنك فاشل إنها فقط تجربة مررت بها، لا تُعرّفك ولا تشرح كل ما أنت عليه, ويمكنك أن تقوم بتمرين بسيط : اكتب على ورقة: “أنا لست مجرد تجربة.” قيمتي لا تعتمد على رأي الآخرين.” أنا أتعلم وأتطور مع كل خطوة، سواء نجحت أو فشلت.”
ثالثا: افهم “لماذا” قبل أن تبدأ من جديد, يعنى ما السبب الحقيقي وراء ما حدث؟ هل فشلت لأنك لم تذاكر كفاية؟ أم لأن البيئة لم تكن داعمة؟ هل تم رفضك لأنك غير مناسب؟ أم لأن الطرف الآخر لا يعرف قيمتك؟
فتحليل التجربة بصدق وهدوء يمنعك من تكرار نفس الخطأ، ويعطيك رؤية واضحة، بدلاً من أن تعيش في دوامة جلد الذات أو لوم الآخرين. وتذكر: أن “الفشل بدون تحليل = احتمال تكراره”و”الرفض بدون وعي = احتمال أن يؤذيك من جديد.”
رابع :ابدأ بخطوات صغيرة تستعيد بها احترامك لذاتك, فبناء الثقة ليس عملية سريعة، بل يبدأ من خطوات صغيرة جدًا تشعرك بالإنجاز والقدرة ببساطة رتّب غرفتك بالكامل اليوم، بدون تأجيل , أنجز مهمة بسيطة كنت تؤجلها منذ أيام. اتخذ قرارًا كان معلقًا وابدأ بتنفيذه, كل خطوة تنجزها، ترسل رسالة إلى دماغك تقول: “أنا قادر… أنا أتحرك… أنا أستحق.”
خامسا:أعد تعريف النجاح بطريقتك, أحيانًا نفقد ثقتنا بأنفسنا لأننا نقارن أنفسنا بالآخرين. نعتقد أن “النجاح” يجب أن يبدو بشكل معين، فإذا لم نحققه نشعر بالفشل. لكن الحقيقة أن لكل شخص تعريفه الخاص للنجاح، وقد يكون نجاحك هو: الخروج من علاقة مؤذية. أو الحفاظ على هدوئك في موقف صعب. أو مجرد النهوض كل يوم رغم الألم ,يعنى أعد صياغة مفهوم النجاح ليتماشى مع قيمك ونضجك، وليس مع توقعات الآخرين.
سادسا:أعد التواصل مع نقاط قوتك, عندما تفشل أو تُرفض، تبدأ تنسى كل شيء جميل فيك. يصبح تركيزك فقط على النقص والخلل. ,تذكر ما هي المهارات التي تتميز بها؟ ما هي المواقف التي أظهرت فيها شجاعة أو تعاطف أو صبر؟ ما الذي يمدحه الناس فيك عادة؟ وبتمرن بسيط, اكتب 10 صفات إيجابية فيك (مهارات – صفات نفسية – إنجازات), اقرأها بصوت عالٍ كل يوم لمدة أسبوع، وراقب الفرق في إحساسك.
سابعا: تجنّب الأشخاص الذين يقللون من شأنك في لحظات ضعفك, في وقت الفشل أو الرفض، تكون أكثر هشاشة، وأكثر حاجة للدعم, فاحذر أن تكون محاطًا بأشخاص يسخرون من محاولاتك, يذكرونك بأخطائك دائمًا, يشككون في قدراتك, هؤلاء الأشخاص ليسوا “واقعيين”، بل سُمّ هادئ يقتل ثقتك, ابحث عن من يُشعرك بأنك ترتقي كلما تحدثت معه.
ثامنا: ادعم نفسك بنجاحات صغيرة متكررة لا تنتظر إنجازًا ضخمًا لتستعيد ثقتك, ابنِها من نجاحات بسيطة متكررة، مثل: التحدث أمام شخص جديد, نشر فكرة أو رأي ترددت سابقًا في إظهاره, تعلّم مهارة صغيرة في أسبوع, كل نجاح صغير هو “لبنة” في بناء صورتك الذاتية الجديدة.
تاسعا:تحدّث مع مختص نفسي لو شعرت أنك عالق, إذا شعرت أن الفشل أو الرفض ترك بداخلك جرحًا أعمق مما تظن، وأثّر على حياتك اليومية، فطلب المساعدة لا يقلل منك… بل هو أرقى أشكال الوعي الذاتي, الحديث مع مختص نفسي قد يكون أسرع طريق لإعادة بناء ثقتك.
عاشرا: ذكر نفسك بهذه الحقيقة: الثقة تُبنى… ولا تُولد لا يوجد شخص يولد واثقًا طوال الوقت,فالثقة بالنفس لا تأتي من الخارج، بل من الداخل، من تكرار المحاولات، ومن التعافي بعد السقوط
وأخيرًا… قل لنفسك: سقطت؟ نعم لكنني أقف الآن… وأقف بثبات أكثر، لأنني تعلمت كيف أبدأ من جديد.”
فالثقة بالنفس ليست شعورًا دائمًا، بل هي حالة نُنشّطها وننميها كلما اخترنا أن نواجه الحياة بجرأة، ونؤمن بأن قيمتنا لا يحددها فشل ولا يقيّدها رفض. وكل تجربة مؤلمة تمر بها، هي في الحقيقة بوابة لصورة ذاتية أكثر وعيًا وقوة, فقط إن قررت أن تتجاوزها وتتعلم منها.
د. سناء الجمل استشارى الإرشاد النفسى والمهنى وتطوير الذات