الإثنين , 13 مايو 2024

فاطمة الرفاعي تكتب: بين العقل والضمير

= 1065

logo
 

ركضت يوما هاربة من ضوضاء المدينة وفلسفة الكذب وعقدة المناطقة، حتى رست بي قدماي على شاطئ رملي هادئ، تنفست الصعداء، واتكأت على ركبتي على إثر آخر موجة، وشردت بعيدا، وقذفت الشتات من أفكاري المبعثرة على زبد الأمواج..

وبعد أن هدأت قليلا… سمعت عن يميني وقع أقدام تقترب التفت فوجدت شخصا قد تخطى العقد الثالث من عمره، عليه ثياب بهية يغلب على سمته الوقار وحوله هالة من الجاذبية اللافته، جلس على مقعد قريب وراح في حالة تأمل عجيب كأنه صخر أصم، وأنا أتأمله سمعت بعض الضجيج عن شمالي، فالتفت، فإذا صبي صغير جاوز العقد الأول من عمره على الأكثر يرتدي البسيط من الثياب، تعلو ثغره ابتسامة ساحرة، يقفز على الأرض، وهو يسير يملأ المكان بصوت ضحكاته، يلهو مع الطيور، ويلوح لها، اقترب وسلم، ثم ذهب وجلس قرب الرجل الثلاثيني، وهو على حاله بين ضحكه وبساطته..

بقيت أراقب من مكاني كلاهما وفي نفسي أقول: ما أقرب ما بينهما وما أبعده فلو علا وجه هذا الرجل بعض بسمة هذا الصبي لفاق أرباب الجمال وسامة ولو أخذ هذا الصبي بعض هيبة هذا الرجل لصار أكثر وقعا في قلوب الناس.. قطع حبل أفكاري صوت رخيم لهذا الرجل الثلاثيني يقول للصبي: لو أنك تهدأ قليلا لما فاتتك الكثير من الفرص، غريب أمرك لم تتعلم شيئا مني أبدا – ففهمت أنهما يعرفان بعضهما فازداد فضولي وعجبي..

أضاف الرجل: تجلس قربي منذ ساعة ولا تخجل من ضجيجك مقارنة بهدوئي وصمتي..

ابتسم له الصبي ابتسامة الواثق، وقال: يا سيدي وما نفع التكلف والهيبة لو تلبسها صاحبها على ما فيها من عنت ومشقة، وأي فرصة يمكن أن تضيع أكثر من عمر يمضي بلا راحة أو سكينة؟
بدا هذا الصغير حكيما، بل قل عملاقا صغيرا، وازداد شغفي به..

أطرق الرجل طويلا ثم قال له: صدقت يا فتى، لقد أضناني التعب وأرهقتني تقلبات الدهور والبحث خلف مقاصدها، ولكن ماذا أفعل لا أستطيع أن أكون على غير ما أنا عليه، سالت دمعة على خده رغما عنها، فمسحها الصغير بكفه الحانية وابتسم في براءة منقطعة النظير..

وقال: لا عليك يا سيدي ، فحالي ليس أفضل من حالك صحيح، أنني بسيط وعفوي وتلقائي، إلا أنني سجلت رقما قياسيا في السذاجة؛ فكم خدعت وسلبت مني حقوقي وذنبي الوحيد هو مثاليتي وبراءتي..

هذه هنا ابتسم الرجل للمرة الأولى، ومسح على رأس الصغير وقال: لا عليك أنا سأعلمك الحيطة والحذر..

ضحك الصغير وقفز يعانق الرجل وقال له : وأنا سأبث ضوء الأمل والسعادة في حياتك دوما، قاما سويا وسارا وأكفهما متعلقة ببعضها، وكأن رجائي قد تحقق فقد ابتسم الرجل، وبدا الصبي حكيما..

شردت ثانية في صورة الشمس وهي تغيب بين الأمواج وأنا أتساءل؛ لقد رأيت هذا المشهد لكن أين؟

نعم تذكرت …
إنه في داخلي ..نعم يدور هذا السجال بين عقلي وضميري كل يوم، لكن تعلمت من الرجل والصبي أنه لا يمكن أن يغلب أحدهما ويغيب الآخر.. يجب أن يتكاملا حتى تصفو الحياة وتستقيم …

ونلتقي قريبا بعون الله عز وجل في مناظرة أخرى..دمتم بخير.

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: الاحتلال بالأفكار وليس بالسلاح (١)

عدد المشاهدات = 283 التاريخ يؤكد أن جميع القوى العظمى التى احتلت غيرها من الدول …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.