الخميس , 9 مايو 2024

“غيبوبة”..قصة قصيرة للدكتورة نهلة جمال

= 1678

(1)

لا أحب ذلك الشعور المباغت ، أنه يتغلغل بعنف، يجتاح الأوردة بهياج مسعور ويرتطم بجدران روحي بقسوة
يعنفني علي أهمالي لنفسي تحت عباءة الإيثار ويخلع عن مقلتي البريق سريعا فأذهب معه حيث البراح.
أجري دون خجل من تمايل صدري وحركاته الرأسية ولا تعوقني أحذية عن التمتع بانسجام قدماي مع ذرات الرمال الباردة ..لا أعبا بضبط دبوس الحجاب أو رسمته للتأكد من ستره للخصلات الملونة بالأمس حين قرررت اخفاء الحزن بتوهج تفاحي أملا في لذة الصورة بمرأتي .
حركاتي أكثر رشاقة الآن كسابق عهدي بها منذ ثلاثة عقود في فناء المنزل المنزوي بطرف الصخب الدنيوي ، الذي تركت أناملي خطوطها البكر علي حوائط فناءه الرمادية كحال أهله القانطين بمنطقة وسط بين قتامة الفقر و أشراقة الثراء ، وفي طابقه قبل الاخير كنت أزهو باحضان أبي وأمي لي ولاختي الصغري حتي تلاشت تماما بفعل هذا الشعور الذي أحتل فجأة أرواحهم فغابوا واحدا تلو الاخر .. لابقي أنا وأختي وبقايا أحلام.
و الان تتسع خطواتي لأحتضن دون خجل ترانيم العشق المقبلة من ظله واتنسم عبير عطره الفرنسي المختلط بنكهة شرقبة مثيرة ، وفي لجظة التتويج بعرشه يختفي الظل باشرتق متقطع لضوء معدني وتضيق مساحة الرؤية لتستقر عند زاوية الحامل المعدني المعلق هليه أنبوب المحاليل بينمت تغلب رائحتهم المعقمة علي المكان مازال صدي همسه بأذنه..سأحبك طفلتي مهما بعد اللقاء.

(2)

أعلنت الطبيبة اليوم بملامح محايدة أن العلاج مسألة اجبارية لا تخضع لاختيارات مرنة فذاك المهاجم قرر استعمار أنفاسي واحلامي من جديد وتسيد الموقف بقوة بطشه فاطاح بنسب افراز الانسولين الطبيعية مسخرأ لخلايا عقلي لترحل من صحوة الفعل إلي ألية رد الفعل، فحاصر حصوني وافقدني الامدادات الطبيعية ..وأعقبت جملتها بأني غير مذنبة فهذا أرث عربي، الافراط في كل متعة وكل أشباع لاحتياج .. فمن قاعدة هرم ماسلو لقمته ونحن نفرط حتي التفريط ليبتلع الوهن اجسادنا وعقولنا ، ثم مضت خارج الغرفة المستطيلة كقالب الكيك غير الناضج الذي لا يهتم به حتي ذباب النهار
ما أن تحررت اطرافي من احبالهم البلاستيكية حتي عزمت علي الفرار الي الحياة.
في حجرة الحسابات مكتب خشبي متواضع وجهاز حاسوب يحمل اطنان من الاكواد والارقام وبينهم وجه اربعيني بشوش انهي الاوراق بدقة لم تمنعه من أرسال نظرات الاعجاب حتي بادرت عينيه بالسؤال،كيف وأنت الشابة الصغيرة تحملين ذاك المحتل (داء السكر) بقوة الجبال؟؟
بل كيف وانت الجميلة تشاركينه حلاوة النكهة بلا ذوبان في الالام ؟
أرسلت بسمتي الطفولية أشعار بالموافقة علي حديث ودود تغيب عنه برودة الادوات واضواء النيون الخاقتة ، بينما تسلل العطر الفرنسي لروحي فقد حان موعد اللقاء!

 

شاهد أيضاً

ياسر عامر يكتب: “يا باشا كل سنة وأنت طيب”!

عدد المشاهدات = 2437بعد ما ولي الشهر الكريم وكلنا الكعك والبسكويت والرنجة ومر علينا العيد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.