حقيبة "سامسونايت" كنت أجدها دائما ترقد في أرضية دولاب أبي.. كان رحمه الله يفتحها بين الحين والآخر يتصفح بعض أوراق بها ويقلب فيها دون ان اهتم انا يوما بمحتوياتها أو ينتابني حب الفضول للاطلاع على ما بها..
ولكن فجأة بعد وفاته ظهرت الحاجة لفتح الحقيبة للاطلاع على مابها الذي اصبح يخص أربعة أبناء أنا واحدة منهم..فتحنا الحقيبة.. وقلبنا فيها..فلم نجد شيئا يذكر من وجهة نظرنا.. فقط مجموعة من الأوراق التي تخص كل منا من شهادات ميلاد وتخرج ووفاة حتي شهادات دورات اللغات والكومبيوتر التي لم نهتم بها جمعها رحمه الله وأعد لكل منا شبه ملف بأوراقه وضعها مرتبة وفقا لترتيبنا..
وجدنا بين محتويات الحقيبة أيضا بعض المتعلقات الشخصية الخاصة بأمي.. والتي كانت عبارة عن دبلة زواج وساعة احتفظ بهما منذ خلعتهما بعد وفاتها في عام 1981 ، إضافة الي مظروف أصفر كانت به بعض الصور القديمة وبعض الأوراق التي اكسبتها السنوات لونا قاتما وجعلها مهترئة إلى حد ما ..كان ذلك منذ وفاة أبي نهاية ديسمبر..ولكن منذ أيام ولا اعرف السبب انتابني الفضول وربما الحنين لأي شيء اشم فيه رائحته..
أن أعيد فتح الحقيبة وأرى ما في المظروف الأصفر.. وكانت محتوياته كما ذكرت من قبل مجموعة صور لوالدي في مراحل عمرية مختلفة بدءا من الابتدائية وحتي تخرجه من كلية الآداب جامعة القاهرة ووجدت مجموعة أوراق مطبقة بعناية وكروت تهنئة قديمة فتتحت أولها لأجد كلمة "خطيبتي الحبيبة".. كانت بطاقة مرسلة من أبي إلى أمي أثناء فترة الخطوبة.. وزالت دهشتي عندما وجدت التوقيع "حسن المنيا في يناير 1969"..
وعلمت أن سبب البطاقة ابتعاده عنها لعمله في المنيا.. ورحت افتح وأقلب في الأوراق لأجد أيضا رسائل من والدتي – رحمها الله – إليه.. جميعها خطابات وأوراق تحمل أجمل مشاعر الرومانسية والحب حتي بعضها الذي كان يحمل عتابا كانت كلمات العتاب رقيقة أو غضب هادئ..
وأدركت تلك اللحظة لماذا ظل أبي يبكيها لأكثر من ثمانية وعشرين عاما ..وظل يدعو لها بالرحمة في كل صلاة..وتدمع عيناه لرؤية صورة لها.. فقد جمعهما حبا لم نشعر به.. كان حبا من زمن الأبيض والأسود ..زمن النقاء.. وأدركت لحظتها أيضا حقيقة مؤلمة أثرت في كثيرا ..وهي انني عشت ماعشت إلى جوار اقرب الناس لي دون ان اعرفه جيدا أو أشعر به..
ولأول مرة منذ فتحت حقيبته سمحت لدموعي ان تنساب تعبيرا عن ندمي..وانتابني خوف من نوع غريب..أن أعيش وأموت دون أن أعرف من حولي أو يعرفوني!