الجمعة , 17 مايو 2024

عبدالرزّاق الربيعي يكتب: يوم عالمي لغسل القلوب..!

= 1485

Abdul razak Rubaiy


قبل حلول يوم الخامس عشر من أكتوبر 2008م، لم يكن يخطر ببال أحد  أنّ الجمعية العامة للأمم المتحدة ستخصّص  يوما لغسل اليدين ،فمع انتشار التعليم، ووفرة المياه، وزيادة الوعي الصحي، أصبح غسل اليدين بالماء، والصابون من الأمور البديهيّة التي  يقوم بها الجميع عدة مرات يوميا حتى انتهى ببعض المصابين بالوسواس القهري إلى حالة مرضيّة، و يشاع عن الموسيقار محمد عبدالوهاب،إنه كان يفرط في غسل يديه بعد كل مصافحة، ويغسل حتى التفاح بالصابون، وأذكر إنني شاهدت حوارا له في الثمانينيات من القرن الماضي، وسأله المحاور عن ذلك، فضحك، وقال:" نعم، أغسل التفّاح بالصابون،وقد لا تصدّقني لو قلت لك أحيانا أغسل الصابون بالصابون من باب الوقاية التي هي خير من العلاج " !

وقد حثّت الأمم المتحدة بمناسبة إعلان 2008 عاما دوليا للصرف الصحي ملايين الأفراد حول العالم على غسل أيديهم بالصابون "باعتباره عاملا أساسيّا في الوقاية من الأمراض"،  ومن المؤكّد أن  المسلمين  عرفوا الصابون منذ أوائل العصر العباسي ،إذ ازدهرت صناعته ، وقبل ذلك كانوا يستخدمون ورق السدر كمنظّف "يحدث رغوة عند دلك الجسد به مع الماء " كما يعلّق هادي العلوي في كتابه" المستطرف الجديد" على خبر استقاه من "الأغاني" عن واحد من وجهاء العرب هو قيس بن عاصم المنقري حين جاء النبي(ص) ليسلم أوصاه أن يغتسل بماء وسدر ، فــ"النظافة من الإيمان" كما جاء في الأثر ، ومما قيل في الحثّ على النظافة " تعهّدوا أنفسكم ، فإنّ الله يبغض من عباده القاذورة الذي يتأفّف به من يجلس إليه" ، ومع تطوّر الحياة، وتعقيداتها، وظهور أمراض جديدة لم يعد البعض  يكتفي بالصابون، بل تجاوزه إلى الاستعانة بالمعقّمات، والديتول، التي يكثر استخدامها حين تتفشّى أمراض معدية ، كما حصل في الأسابيع الأولى من انتشار فايروس "انفلونزا الخنازير" عام 2005 إذ اعتدنا ،في تلك الأيّام حين نحضر أيّ مناسبة اجتماعيّة تستوجب المصافحة، أن نضع على أيدينا المعقّمات التي نجدها في بوّابة المكان الذي يتمّ به التجمّع قبل الدخول، وبعد الخروج، واستمر هذا الإجراء الوقائي لشهور، ثم توقّف بتراجع خطر انتشار المرض، وعدنا لتبادل المصافحات بدون أيّ تحفّظ، أو قلق !!

غسل اليدين ركن من أركان الوضوء، والمسلم اعتاد أن يغسل يديه بالماء قبل كلّ صلاة، وقد انتقل هذا التعبير إلى المجاز، فصار الذي ييأس من إصلاح شخص يقول له بالعاميّة الدارجة  "لقد غسلت يدي منك"، ومادمنا قد دخلنا ساحة المجاز،يجوز لي أن أتساءل :كم نحن بحاجة إلى يوم عالمي لغسل القلوب من الأحقاد، ومشاعر الكراهية،والبغضاء!!
كم نحن بحاجة إلى غسل أرواحنا مما يعلق بها ، من كراهية عشّشت في قلوبنا ، فطردت  المحبّة من شغافها ، واستوطنت مكانها، علما بأنّ علماء النفس ،والإجتماع يؤكّدون إن الإنسان لايولد مبغضا ، حقودا ، فهو صفحة بيضاء تكتب عليها الأيّام كلماتها، وتضع خطوطها..

 وبالطبع للتربية، والبيئة،والتجارب القاسية دور في ذلك،ولها ، أيضا، أثر في غرس الود في العلاقات الإنسانية ، والمحبة هبة من الخالق، فمن نعم الله على إنسان ما ، أن يجعله محبوبا من قبل الناس وأقرانه، والمحيط الذي يعيش ضمنه،فهو القائل في كتابه الكريم " وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي ، ولتصنع على عيني " والخطاب موجّه إلى سيدنا موسى(ع)، فحبّبه إلى آسية زوجة فرعون،وإلى فرعون نفسه ، بل وإلى كلّ من رآه ، فنشأ برعاية الرحمن ، كما تؤكّد التفاسير ، فالمحبّة هنا قرينة بالرحمة ، وكلاهما من ، النعم الربانيّة ، والصفات الإنسانيّة التي حين تسود في مجتمع ما فإنّهما يسموان به ، وبأفراده .

فلنفتح صفحة جديدة مع أنفسنا أوّلا ، ومن ثمّ مع زملاء العمل ،والجيران ،والأصدقاء، وننقّي أرواحنا، ونرشّ عطر المحبّة على قلوبنا ، ومن حولنا ،  ولتكن قلوبنا ،على الدوام ، نظيفة من كلّ مشاعر سلبيّة تعطّل قدراتنا ، وتحدّ من إقبالنا على الحياة، وبذلك نستطيع أن نغسلها  بالحب .
 

شاهد أيضاً

إنجى عمار تكتب: التحلي والتخلي

عدد المشاهدات = 613 نقطة واحدة فارقة كالحجر الصوان ارتطم بها رأسنا لنعيد اكتشاف أنفسنا. …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.