الثلاثاء , 7 مايو 2024

عبدالرزّاق الربيعي يكتب: من فضاء القصيدة ..إلى خشبة المسرح

= 1457

Abdul razak Rubaiy


بين "مسقط" التي أقيم بها مهرجان "أثير" للشعر العربي، مؤخّرا ، و"نزوى" التي تحتضن هذه الأيّام مهرجان المسرح العماني السادس، مسافة 164كم، لكنّ المسافة بين الشعر، والمسرح ،تبدو وفق الحسابات الجماليّة، أقصر بكثير، بل تتلاشى، في أحايين كثيرة، فعلاقة الشعر بالمسرح قديمة، ومتجذّرة، بل أن المسرح يستمدّ ألقه من وهج الشعر، والشعر يأخذ عمقه من الفعل الدرامي، وروحه الملحميّة.

 ورغم أن مهرجان "أثير" الشعري جاء دون تنسيق مع وزارة التراث والثقافة التي تقيم مهرجان المسرح العماني ضمن فعاليات نزوى عاصمة الثقافة الإسلامية 2015 م، لكنّ توقيتهما جاء متّسقا مع أسبقيّة الشعر على المسرح الذي ظهر في اليونان بالقرن السادس قبل الميلاد، فنشأ المسرح شعريّا ،ويرى صلاح عبد  الصبور إنه سيعود كذلك ، فالمسرح الحديث أقرب ما يكون إلى روح الشعر، وتحليقاته، وهذا يؤكد صحّة نبوءة "عبدالصبور" التي استنبطها من تتبّعه لتاريخ المسرح الذي ولد ، كما يؤكّد المؤرّخون، في أحضان الطقوس الدينيّة، وتلك تقوم على الأناشيد ، فنشأ المسرح على أيدي  شعراء كأسخيلوس،وسوفوكلس،ويوربيدس، وهوميروس الذي كتب ملاحم شعرية كـ"الالياذة" و" الأوديسة".

 وما زلت أذكر دهشتي  حين قرأت "فنّ الشعر" لأرسطو في مقتبل حياتي، فوجدته يتحدّث في الكثير من  فصوله عن المسرح ، وعرفت أنّ الشعر، والمسرح هما كوجهي ورقة الشجرة لا يمكن فصلهما  عن بعض، هذه التوأمة قديمة، قدم المسرح، واستمر الحال حتى العصر الحديث الذي يقف شكسبير في مقدّمة شعرائه ومسرحييه،  ، ويؤكّد الباحث عمّار الجنابي "إن المسرح في أصوله كان باباً من الشعر، وبقي كذلك بشكل واضح في عصر ازدهاره في إنجلترا، أي في أواخر القرن السادس عشر الميلادي، وكذلك في فرنسا طوال القرن السابع عشر "، وفي كتابه "المسرحية العالمية" يرى مؤلفه  الاردايس نيكول، إن  الشعراء كانوا بين القرن السابع والسادس قبل الميلاد ينظّمون قصائدهم للمحتفلين، فانفصل رئيس الفرقة ـ الاكسارك ـ، وأدى هذا الى إمكان ظهور التمثيل، وفي القرن السادس "ق.م" أضيف ممثل آخر، واستخدمت الأقنعة مكان الممثل الواحد، ، ولإضفاء النبالة على الأبطال، فإن الممثلين يرتدون أحذية عالية الكعب، كان ذلك أول ظهور لهذه الأحذية التي ظلت النساء ترتديها الى يومنا هذا.

التطور التالي الذي حصل في المسرح، كما يؤكّد نيكول،  كان على يد "سوفوكليس" سنة 470 ق.م حين أضاف دوراً ثالثاً للدورين الناطقين، فأحدث تقدماً سريعاً في الحوار المسرحي بدلاً من الجوقة التي كانت لها أهمية كبيرة في المسرح الإغريقي، وحدث تطوّر حتى على صعيد الأداء، فالممثل أصبح مفسّرا لكلمات الشاعر، ورغم أن "سوفوكلس"  كان ممثلاً بارعاً ، لكنّه قام بفصل المؤلف (الشاعر) عن الممثل، فظهر الممثل المحترف، ويعلل هذا التحول الى أن أيام اسخيلوس الذي كان يقوم بكل شيء "التأليف، ووضع الموسيقى، وتدريب المنشدين، وتمثيل الدور الرئيس" فلم يكن هناك ممثلون مدربون، فاضطر الشاعر أن يقوم بتفسير ما يكتب لكن حين أخذ "سوفوكليس" في الكتابة يقول المؤلف كان في "أثينا" عدد من الرجال ذوي دراية بالمسرح، فانتهز المؤلف هذه الفرصة للتخفف من هذا العبء ليتفرغ للكتابة". وبالفعل استطاع سوفوكلس أن يكتب "120" مسرحية وصل منها سبع مسرحيات أشهرها "انتيجونا".

هذا هو السبب الذي جعل الشعراء ينزلون من خشبة المسرح ، ويكتفون اليوم بالكتابة للمسرح ، فتفيض  لغتهم، ورؤاهم، وتخيّلاتهم ، وأجواؤهم  الحالمة، على الخشبة ، وهكذا ظلّ طائر الشعر يرفرف في فضاء خشبة المسرح ، لأننا في الشعر لا نقول، فهو من الرهافة بحيث لا يتحمّل الأفكار، والقول يكسر أجنحته، في الشعر نتأمّل الكلمات ، نصغي لهمس موسيقاها، ،نبحلق في أشكالها، وحروفها، ورسمها، نتسلل إلى أعماقها، لكي نرى ما تخفي من حمولات دلاليّة، وخفايا ، وأسرار، ومسّرات جماليّة، وروحيّة، فحين تضيّق كثافة الرؤى الخناق  على رقاب الشعراء يسارعون إلى الإرتماء بأحضان المسرح، هناك يعثرون على مساحة أوسع للبوح، والقول، في العرض المسرحي .

واليوم نطوي دفاتر الشعر، ونضع قصائدنا في جيوبنا ،لنفتح  خيمة المسرح الفسيحة، فنرى الكلمات، والرؤى،على شكل شخوص، ونصوص ،  وصور تتجلّى على الخشبة .

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: وداع يليق بإنسان جميل

عدد المشاهدات = 505 صدق المبدع مرسى جميل عزيز عندما قال : على طول الحياة.. …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.