الثلاثاء , 19 مارس 2024

“سياحة في بلادنا ” … بقلم مرفت بنت عبدالعزيز العريمية

= 10232

ينظر البعض إلى السياحة بنظرة تقليدية  بحتة،  كحملات ترويجية ،ودعاية، وإعلان ،ومشاركة في معارض  متخصّصة، ومهرجانات، وبرامج تتحدث عن المقومات الطبيعية وجمالياتها،وأفواج سياحية موسمية  تأتي وتذهب، وفنادق ونزل ومطاعم…، لا كصناعة  متخصّصة باتت تدر على خزائن الدول مليارات،  تقوم على  بناء هوية سياحية ذات طابع خاص مبنية على تقييم وخطط ودراسات ، حتى إن بعض الدول النائية ،استطاعت أن تنتشل نفسها من براثن الفقر بتطوير القطاع  السياحي بفكر استراتيجي بسيط .
 

من المعروف أن تطور قطاع السفر والسياحة ،ساعد على تسارع نمو القطاع السياحي وتطوره، فتنوعت أشكال السياحة واهتمامات السيّاح، بين سياحة الأعمال، وسياحة المؤتمرات، والمعارض، والسياحة العلاجية ،و السياحية التعليمية ، والسياحة الترفيهية ، وسياحة التسوق، وسياحة المغامرات والسياحة السينمائية، وغيرها من المجالات ،ومؤخرا أصبحت بعض الدول الساحلية،تطوّر من مرافئها ومراسيها لإستقطاب أصحاب اليخوت من الأثرياء، بتوفير عناصر الجذب  السياحي لهواة الإبحار.

والأمر لم يقتصر على تنمية قطاع واحد فقط، بل ساهم تطوير القطاع السياحي ،على توسيع  وتنشيط الأعمال والأنشطة الإقتصادية وعلى عمليات التبادل التجاري بين الدول، وبناء صورة ذهنية إيجابية عن المجتمع ، فرفعت الوعي الثقافي ،والتراثي ،والأثري لدى المجتمع والسيّاح ، وساهمت في خلق الفرص الوظيفية والإنتعاش الإقتصادي.. فالكل يكسب في المجتمعات النشطة سياحيا.
لا ننسى دور الأفلام السنيمائية  والدراما في الترويج السياحي، فقد انتعشت السياحية التركية والكورية ،  بعد انتشار المسلسلات المدبلجة في الدول العربية ومنطقة الخليج ، وزاد زوار اسكتلندا ونيوزلندا بعد تصوير أفلام مثل:( القلب الشجاع)  و(سيد الخواتم) ،و اليوم نشاهد مدناً كثيرة تستقطب شركات الإنتاج وتوفر لهم التسهيلات لتصوير أفلامهم .
الفعاليات الرياضية ككأس العالم ساهمت في الترويج عن الدول المستضيفة ،وهذا ما حدث لجنوب أفريقيا بعد استضافتها كأس العالم .

ومدينة هلنسكي سوّقت نفسها على أنها مدينة الإبتكارات والحلول في مجالات الصحة، والتعليم، والطاقة الأمثلة كثيرة لا يسعني تسطيرها في مقال واحد.
إن الوعي السياحي  ارتفع عن ذي قبل  مع الإنفتاح المعرفي وتوفر المعلومات، فقد أصبح السائح يتحدّث عن تجربته بكلّ شفافية سواء في المواقع السياحية المتخصّصة، أو من خلال مواقع التواصل الإجتماعي.
كما يجري بحثاً عن مميزات الوجهه السياحية، ويقارن، ويطلع على تجارب الآخرين، وهي خاصية أصبحت متاحة، في أغلب المواقع الإلكترونية السياحية وغيرها ، التي تظهر للعيان المميزات والقصور قبل أن يتخذ قرار شراء المنتج السياحي.

إن السائح لا يبحث عن مسكن، ومأكل فقط بل يبحث عن قصة المكان وثقافة الإنسان، وعن السكان المحليين، لذلك تركّز الدول على  تسويق المناطق خارج المدن الكبرى والعواصم ،لأن هناك شريحة كبرى من السياح يحبون التعرف على الثقافات المحلية والعادات والتقاليد أكثر من شغفهم بالحياة المدنية.

فمن الضروري إشراك أبناء المجتمع في عملية  التنمية السياحية  والخطط السياحية الحالية والمستقبلية لأنهم جزءًا من النسيج المجتمعي ،لكل قرية ومدينة وهم يمثّلون الثقافة وحضارة المنطقة، ويعدون المحرّك للتسويق السياحي .
ومع تنوع أنماط الإستهلاك ،وميول البشر وثقافاتهم ، أصبح لا بدّ من تنويع الخدمات السياحية  وطرح أفكار جديدة كل موسم، لمواكبة التطور في هذا القطاع ، فلا يمكن ان نعتمد على المبادرات ،والإجتهادات  الفردية  لتنمية قطاع حيوي كقطاع السياحة ، فالمبادرات في الأول والأخير ليست ملزمة على أحد وعادة ما تكون وقتية وتنتهي، وهي لا ترتقي لتكون استراتيجية سياحية.

عادة تسعى الخطط السياحية أن تبقي السائح أطول وقت ممكن بتنويع البرامج السياحية وأنواع السياحة فكلما زادت مدة إقامة السائح زادت نفقاته بما يمثل مردودا مادياً في خزينة الدولة ،من الملاحظات المتكرّرة من قبل السياح  قلة الأنشطة التي يمكن القيام بها،و ضعف البنية التحتية وقلة اللوائح الإرشادية في الطرقات، وعدم وجود محطات خدمية متكاملة في الطرق، وندرة في البرامج السياحية الترفيهية وغيرها ،فما زلنا في المربع الأول من خطة التنمية السياحية.

كما أن توطين قطاع الضيافة والإرشاد السياحي عملية ملحة، ف”أهل مكة أدرى بشعابها” والأقدر على تسويق الثقافة المحلية إن وجدوا التدريب والتأهيل المناسبين والخطوة الأولى تكون بتوعية المجتمع نحو فوائد السياحة ،والمردود العائد على قراهم ومدنهم حتى لا يصبحوا عقبة في تطوير مناطقهم سياحياً .
إن الدول أصبحت تسوق نفسها ،بصناعة صورة ذهنية،وعلامة تجارية  لتعزيز مكانتها  في خارطة العالم ، وذلك لتعزيز اقتصادها وقدرتها على التأثير في مختلف المجالات.

وترصد ميزانيات ضخمة على الأبحاث والتطوير والتقييم المستمر لخدماتها لإستمرار في جذب السياح ،وتنمية القطاع الإقتصادي ككل . ان الدول التي تمتلك السمعة  الوطنية القوية والصورة الذهنية المؤثرة تستطيع أن تصدر منتجاتها السياحية بسهولة .
سباق ذكي بين الدول لتسويق مدنها وقراها، وتدوير الإقتصاد المحلي  بينها بهدف تنميتها وخلق فرص للعمل وموارد الرزق للمجتمع المحلي، كي تكون جزءاً من عملية التنمية الإقتصادية، والسياحية.

تمتلك محافظاتنا من المقومات السياحية الجاذبة التي يمكن تسويقها كمنتجات سياحية تعطي لكل محافظة سمات سياحية مميزة، فالسياحة أصبحت صناعة بحدّ ذاتها لها أسس ومعايير مهنية .
المؤشرات تقول إن القطاع السياحي من القطاعات الواعدة، ومن المتوقع أن يكون هناك 1.8 مليار سائح حول العالم بحلول عام 2030، ويجب أن يكون لنا نصيبا من الكعكة السياحية بنمو سياحي مستدام وتطوير للبنى التحتية والإستثمار في رأس المال البشري وردم الفجوة بين التعليم وسوق العمل.

عند التسويق للمنتج السياحي يجب أن ننظر إلى الموضوع  بزاوية 360 درجة، فتنظيم القطاع السياحي وفق استراتيجية متكاملة لتسويق هوية عمانية تشرك كافة الأطراف المعنية بالموضوع هي عملية بات ملحة وتحتاج إلى دراسات، وأبحاث  متخصصة ،تبدأ من حيث توقف الآخرون ،و تراعي البيئة والسكان والبنية التحتية ، فنحن نواكب عصرا أصبح كلّ شيء فيه صناعة.
——————-
* كاتبة عمانية.

شاهد أيضاً

سلطنة عُمان ترمم “بيت العجائب” في زنجبار وتوثق العلاقات التاريخية بين البلدين

عدد المشاهدات = 12244 مسقط، وكالات: نفذت هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية بسلطنة عُمان بالتعاون مع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.