الإثنين , 9 ديسمبر 2024

وفاء أنور تكتب: حكاية العم “رجب”

= 11466

أبطأت خطواتنا وهدأت من سرعتها اضطرارًا، اضطربت حركة أقدامنا المثقلة متأثرة بفعل الزمن؛ خاصة مع هذا الزحام الرهيب وذلك التدافع الغريب من جيل جديد اقتسم معنا نصيبًا كبيرًا من حرية الحركة المكفولة لنا، نعم نبدو طبيعيين وسط الجموع، فليس هناك إرهاق بالغ يظهر، أو نبض قلب يتتابع بشدة وهو يعبر بصعوبة كي يغادر صدورنا.

شاهد أغلبنا في الماضي هذا الفيلم الذي يحمل عنوان”صباح الخير يا زوجتي العزيزة” الذي قام ببطولته الفنان “صلاح ذو الفقار”رحمة الله عليه، والفنانة “نيللي”متعها الله بالصحة والعافية، فقد كانا يبحثان عن خادمة تقوم بأعمال منزلهما اليومية، خلال فترة عملهما في وظائفهما الحكومية مع القيام بدور أساسي وهو رعاية طفلهما هاني.

أترك الحديث عن تفاصيل الفيلم وأتوقف عند هذا المشهد، مشهد الرجل الطاعن في السن الذي أتى به الفنان “صلاح ذو الفقار” لزوجته ليقوم ببعض الأعمال المنزلية ويرعى لهما طفلهما، إنه “العم رجب” الذي جسد شخصيته الفنان”فهمي أمان” رحمة الله عليه، ذلك الرجل المريض الذي كنت كلما أشاهده وهو يتوجع ويفصح بشكواه عما أصابه من ألم أنفجر بالضحك؛ من طريقته في الحديث، من تأوهاته التي بدت مرهقة للغاية لدرجة أنها جعلته يطلب المساعدة من أصحاب البيت بدلًا من أن يقدمها هو لهما.

تمر السنوات وأتابع نفس الفيلم مرات ومرات حتى يأتي مشهد “العم رجب” مرة أخرى وهو يطلب منهما بصوت خفيض ومرتجف للغاية بعضًا من زيت الكافور لتدليك مفاصله المجهدة وحفنة من الكمون الحصى ليقوم بغليها لعلاج المغص الذي يباغته بين اللحظة والأخرى، ثم يطلب منهما زجاجة من الماء الساخن لمعاونته في التغلب على الألم وتسكينه، أبحث بعدها عن الضحكات فلا أجدها، وأجد بدلاً منها ابتسامة تعاتبني وتكاد أن توبخني، لتحرك شعورًا خفيًا ومختلفًا بداخلي مصحوبًا ببعض من تأنيب الضمير، أتساءل حينها: كيف كنت أجرؤ على الضحك في مشهد كهذا؟

في الحقيقة لم تكن المشاعر في تمام نضجها بطبيعة الحال؛ فسنوات الطفولة والشباب كانت تختلف تمامًا في كل شيء يخص الفهم والإدراك والإحساس بالأشخاص والأشياء، لم يكن يخطر لي ببال أنني سوف أشعر يومًا بما كان يشعر به هذا الرجل الذي كان يتوجع ألمًا بينما كنت أضحك، أحدث نفسي عن مرحلة الشباب وأستدعيها على استحياء فتأبى، ثم تشترط الحضور في ثوب الذكرى فقط، فأقبل، أخضع وأستسلم لها.

حكاية “العم رجب” ما زالت تتكرر، فالأطفال ما زالوا يضحكون منها كما كنا نضحك نحن في الماضي، والدرس القاسي ما زال يعاد تدريسه، وها نحن الآن نشهد بأننا تعلمنا وأدركنا أن القدر قد حمل لنا مواقف عديدة كنا ننكرها بجهالة، فأصبحنا الآن نوقن بوجودها لنجد أنفسنا تعتذر وتترحم على رجل اسمه”العم رجب”.

شاهد أيضاً

الأكاديمية المصرية للفنون بروما تحتفل بالذكرى 155 لكتابة أوبرا عايدة

عدد المشاهدات = 3175   أقامت الأكاديمية المصرية للفنون بروما أمس إحتفالية متميزة بمناسبة الذكرى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.