قديمًا قالوا: “إذا طلع سهيل، برد الليل وخف السيل ونزل على أم الحوار الويل”!
هذه المقولة ليست بيتًا شعريًا يتحدث عن شخص، وإنما هي مقولة تطلق على “كانوبوس” أو ما نسميه نحن “نجم سهيل”، ذلك النجم الذي تحتضنه السماء في الليالي المُظلمة، يخرج من قلب السماء بنوره الساطع الشبيه بكتلة نارية ليخبر الناس وعلماء الفلك، والمهتمين به وحتى البسطاء من الناس أن الفصول تتغير وأن الصيف سيرحل وأن الفصول تتعاقب.
سهيل ليس نجمًا عاديًا وإنما هو من أكبر النجوم المضاءة التي يمكن لأي عين رؤيتها، ويمكن أن يلمحه أي شخص في أي بقاع الأرض، النجم الذي كان يوما دليل البحارة الذين كانوا يطلقون عليه أيضا “سفينة الصحراء” وليس هذا فقط فهو لازال الدليل القاطع على أن فصل الصيف سيرحل، والشتاء على أعتاب الدخول إلينا، فيبدأ معه الشعور بمساءات باردة ونسيم عليل، وسهيل يأتي على أربعة منازل “الطرفة، الجبهة، الزبرة، الصرفة” وهذه المنازل تتابعها أيام معينة، حيث تمثل منزلة الصرفة ما تمثله من رحيل فصل الصيف واستقبال فصل آخر.
نجم سهيل، هو النار المشتعلة في قلب السماء المظلمة، هو النجم الذي يستبشر به الناس ويهتمون بظهوره ويتابعونه دائما ليعرفوا من خلاله كل شيء، وجهتهم، فصولهم، وأيضا يعرفون به مواسم قطاف وجني ثمار بعينها، تلك الكتلة وعلى الرغم من أنها كتلة من الصخر مشتعلة ولكنها منذ القدم هي الدليل القاطع لكل من تتوه به الحياة، وهي المعرفة التي تبعد الجهل، وهي أيضا ما يمكن أن نطلق عليه “المعرفة البدائية” التي استند عليها الآباء والأجداد ذات زمن ليعلموا ما يجهلونه.
نجم سهيل لم يكن فقط الدليل والطريق والوجهة لذلك الزمن والحقبة وإنما لا زال أيضا يستخدم في تحديد الملاحة الفضائية في الوقت الحالي، ولازال نجم سهيل حديث المجالس العامة، وانتظاره كانتظار مسافر قادم من البعيد محملا بالخيرات والبشائر السارة، ونحن في سلطنة عمان يقال إننا على موعد معه يوم 24 أغسطس، اليوم الذي يطل علينا نجم سهيل فيه ويأتي معه الشتاء وانخفاض درجات الحرارة وهبوب الرياح مودعين بذلك فصل الصيف ودرجات الحرارة المرتفعة.
نجم سهيل، النجم الذي يبعد 313 سنة ضوئية عن كوكب الأرض، هو النجم الذي ما زال الأشخاص يترقبون ظهوره وكأنه الخلاص من كل شيء، وكأنه قارب النجاة الذي ينتظرونه لينقلهم من حرارة الشمس ورطوبتها لفصل الشتاء البارد.
قد يتساءل الكثيرون لماذا نجم سهيل بالتحديد؟
وأقول إنني اخترت الكتابة عنه لأهميته بالنسبة لنا كمُجتمع عُماني، كمجتمع يترقب ظهوره وكأنه دليل على أشياء كثيرة محتملة في المُستقبل القريب، نهتم به من منطلق اهتمامنا بالمحاصيل الزراعية ومواقيتها، ومن اهتمامنا بالأنواء المناخية، ومن اهتمامنا بتعاقب الفصول وتأثيراتها على التربة والزراعة وحالة الطقس، إنه النجم الذي تصاحبه مقطوعة “الفصول الأربعة” لأنطونيو فيفالدي، النجم الذي نُحدِّق فيه طويلًا متأملين ضياءه وقوة نوره.
وهنا أوجه حديثي لذلك النجم اللامع..
فيا سهيل.. إنك جئت الآن بعد طول انتظار، جئت لتطفئ الأجواء الملتهبة، في كل شيء، جئت بالبشرى حاملًا في قلبك المتوهِّج ضياء الخير العميم، والرزق الوفير، فأنت نورٌ يضيء لنا ظلمات ليل الشتاء الطويل، ويخفف عنا زمهريره في الصحاري البعيدة، وأعلى الجبال الشاهقة، نسترشد بك في مسيرتنا نحو المستقبل، كما فعل الأوَّلون، ونحن على ما وجدنا عليه آباءنا ماضون!
——————————
*كاتبة وإعلامية عمانية.