بقلم: عادل عبد الستار العيلة
قُدر لي في بداية حياتي العملية أن جلست أتناول الإفطار مع زميل لي (صيني الجنسية)، وأثناء الإفطار هممت أن أقوم بشيء ما في العمل فوجدت زميلي يمسك بيدي ويجلسني، وقال لي حين تأكل استمتع بالطعام، وحين تنتهي استمتع بالعمل، وظلت تلك الجملة في ذهني دائما .. وهي فكرة أو مفهوم الاستمتاع بما أقوم به وبالمرحلة التي أنا فيها.
وقُدر لي أيضا أن أتحدث اليوم مع أحد الأصدقاء عن أننا في عالمنا العربي نفتقد لثقافة الاستمتاع .. الاستمتاع بالإجازة مثلا .. بعطلة نهاية الأسبوع .. الاستمتاع حتى بشكل عام … ودائما ما نبحث عما يشغلنا سواء جسديا أو ذهنيا (إلا من رحم الله ) ..وضربت له مثلا على هذا وهو أن هناك من الناس من يحزن بشده لأنه قريبا سيتقاعد (يصل سن المعاش ) وكان سؤالي لماذا يحزن؟ !
ألم يقل لنفسه إن من حقه أن يرتاح .. أن يستمتع بباقي عمره .. أن يجلس هكذا خالي الذهن في شرفة بيته يشرب قهوته … ولكن في معظم الأحيان تجد هؤلاء يبدأون في البحث عن عمل من جديد … وكثيرا لا يتناسب هذا العمل مع ما كانوا عليه من مكانه وظيفية سابقا … وهنا تأتى الدهشة ويأتي السؤال … لماذا تبحث عن عمل يا سيدي ( أما آن للمحارب أن يستريح )؟
وهنا أشار صديقي أنه في بعض الأحيان يكون مضطرا إلى هذا لاحتياجه المادي … ولا شك إننى أتفهم هذا وأوافق عليه وأدعو الله عز وجل أن يعينه .. ولكن هناك حالات كثيرة لا تكون في حاجة إلى المال وهؤلاء المعنيين بمقالي هذا .. فهؤلاء تنقصهم ثقافة الاستمتاع.
وهناك سبب آخر وهو أنه ارتبط مفهوم التقاعد في كثير من الثقافات بمفهوم النهاية والتوقف عن العمل والعطاء، ولعل ذلك المفهوم المفتعل هو ما جعل تلك المرحلة محاطة بهالة من الحزن والخوف والملل وربما الانطواء والاكتئاب للشخص ومن حوله.
وتشير معظم الدراسات النفسية حسب ما أشار إليه الدكتور طارق الحبيب – أستاذ الطب النفسي – إن هناك آثارا سلبية ترتبط وتتزامن مع هذه المرحلة.. وبرؤية نفسية نجد أن تلك الآثار ترتبط بالشخص نفسه ومدى استعداده المسبق لتلك المرحلة سواء الاستعداد المادي أو النفسي أو الاجتماعي، فمرحلة التقاعد لا تمثل مشكلة نفسية بحد ذاتها، وإنما تتمثل المشكلة في الاستعداد غير الكافي وسوء التخطيط المسبق، مما يخلق مشاكل وضغوطا نفسية واجتماعية مركبة مثل الشعور الدائم بفقدان القيمة، الذي يتزامن مع الملل والنظرة الحدية للحياة والجمود الفكري، وكذلك الشعور بالاغتراب العاطفي، الذي ينتج عن تغير بين ما توقع المتقاعد وبين ما قد يحصل عليه فعلا من اهتمام وتقدير..
تتمثل المشكلة أيضا في العصبية والانفعال السلبي على أبسط الأمور لشعور المتقاعد المستمر بالضجر وعدم الرضا، مما يؤدي إلى الخوف من تقلص العلاقات الاجتماعية ويدفعه للمبادرة بالانزواء حتى لا يجد نفسه مجبرا عليه في نهاية المطاف.
أخيرا أقول: علينا جميعا أن نؤمن بأهمية أن استمتع .. أن نخلق داخلنا ثقافة الاستمتاع .. استمتع بكل شيء تفعله .. استمتع بوجودك ذاته في الحياة .. استمتع بأبسط الأشياء .. استمتع وأنت تأكل وسط أولادك وزوجتك .. استمتع حين تجد نفسك أتقنت عملا قمت به .. استمتع حين تبتسم في وجه الآخر .. استمتع حين تغازل زوجتك.. استمتع حين تتناقش مع أبنائك .. استمتع وأنت تشرب الشاي في البلكونة .. استمتع بكل شيء وأبسط الأشياء.
(حفظ الله مصر .. أرضا وشعبا وجيشا وأزهرا).