الجمعة , 29 مارس 2024

“دكان حارتنا” … قصة قصيرة بقلم د. محمد محيي الدين أبو بيه

= 3845

علي باب حارتنا يوجد دكان عم راضي. منذ عشرات السنين وأنا أراه بنفس الهيئة لا تغيير اليافطة التي يكسوها التراب وخيوط العنكبوت والأبواب الخشبية المصنوعة من أقوى أنواع الخشب الذي لا نراه الآن ويقول دائما إنه آت من السودان أيام الملكية عندما كانت تحت مظلتنا… ومن خلف الفترينة الصغيرة أجد “عم راضي” بشاربه ووجه الأسمر وصلعته بلا تعبير علي الوجه تميزه به فلا تعرف أي ضحك أم حزين…
أبناؤه دائما ما يتفاخرون بموقع الدكان السحري الذي يربط شرق الحارة وغربها ولا بد من أن تمر عليه حتى تصل إلى المكان الذي تريده داخل الحارة والحارات المجاورة…
الغريب أن كل اولاده لم يستمروا في العمل بالدكان وكلهم هجروه الي بلاد الخليج عندما فتحت ذراعيها بعد ظهور البترول وجاءت ما سموه هناك سنوات الطفرة…
لم يبرح مكانه واستمر يزاول نشاطه رغم الحاحهم عليه بأن يغلقه ويستريح وقد تيسرت الامور معهم وأصبح المال يجري بين أيديهم…
كان دائما يردد… حياتي تنتهي يوم ما أقفله… أنا وهو زي التوم يقصد توأمان…
ظل معلما نتحاكي به أمام أقراننا ومجالا للاستحسان من ساكني المناطق الاخري عندما يعلمون أننا جيران دكان عم راضي…
كنت ذات مرة اشتري منه المواد التموينية التي تدعمها الحكومه للمواطنين… تجاذب معي أطراف الحديث
… تعرف يا حسين يا ابني وانا ف الحرم ربنا يوعدك كدا وتزور لما رحت عمره ف السبعينيات اتحصرنا جوا وقعدنا أيام كتيره لولا جت قوة كبيره من الجيش وخرجتنا…
أبديت اهتمامي وأحدث نفسي بأن الرجل بدأ مرحلة الخرف فقد تجاوز عمره السبعين علي رغم الصحه الواضحة عليه…
كيف حدث ذلك… ومن الذي حاصركم يا عم الحاج راضي…
بعدما صلينا العشاء وجدنا الابواب وقد أغلقت ورجال معهم أسلحه احتلوا كل مكان وأحدهم تحدث بالميكروفون بأن المهدي المنتظر معهم وسيعطونه البيعه… سمعتهم بعد ذلك يقولون انهم مجموعة رئيسهم اسمه جهمان وأنهم تم اعدامهم بعد ذلك…
تركته وأنا اقول… حتما هذه أعراض النهايه…
بعد هذا الحوار بأيام… جاءنا خبر وفاة عم راضي… وكما توجست خيفة من قصته التي اول مره اسمع بها وأحسست بقرب وفاته… لماذا لا أدري لكن هذا الواقع الذي حدث بالفعل…
السؤال الذي ساد بعد الوفاة… ماالذي سيفعل أولاده بالدكان… وانتظرنا أشهر… واذ باليافطه التي صافحت وجهي سنوات والجدران التي كنا نحس بالدفء عند المرور بجوارها… تم ازالتهم جميعا وحل مكانهم مبني شاهق جميل المنظر لكنه بارد لا يوجد بيننا وبينه ود… وبعدما كانت الدكان بالنسبه لنا مصدر جذب واطمئنان بالحاره… علي العكس من ذلك صار البديل…
يوم افتتاح المبني الجديد الذي يطلقون عليه… موول… وجدنا عربات فخمه وأناس تدل ملابسهم أنهم من اثرياء البلدان الخليجيه
مال علي احد الجيران قائلا… الملاك الجدد اللي اشتروا الحته من أولاد عم راضي…
فجأه لمعت برأسي قصة عم راضي عن الذين احتلوا الحرم
فهمست… رحمة الله عليك يا عم راضي.

شاهد أيضاً

أوبرا غارنييه … جولة في دار الأوبرا الفرنسية بباريس

عدد المشاهدات = 1396 بقلم الكاتبة/ هبة محمد الأفندي دار الأوبرا الفرنسية بباريس المعروفة بأوبرا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.