التاريخ يؤكد أن جميع القوى العظمى التى احتلت غيرها من الدول بالحروب والأسلحة، لم تستطع أن تحتفظ بهذه المكاسب الى الأبد، لأن الشعوب دائمًا كانت تقاوم الاحتلال بشراسة، فالاحتلال الإنجليزى لمصر انتهى بطرد المحتل، ولم يعد لإيطاليا سلطان على ليبيا، كما حصل الشعب التونسى والمغربى على استقلالهما بعد احتلال فرنسا لهما، واصبح سيناريو انتهاء الاحتلال العسكرى لدول أفريقيا وآسيا مكررًا، وهو ما يؤكد أن احتلال دولة لأخرى والاستيلاء على أرضها قد يكون ممكنًا لبعض الوقت ولكنه لن يدوم لكل الوقت .
لذلك فطنت الدول الاستعمارية الى أن الاستعمار العنيف لن يكسب أمام مقاومة الشعوب، وأن الاحتلال الحقيقى الذى يحقق لها أهدافها، يمكن تحقيقه بوسائل أكثر ذكاء ونعومة من خلال الأفكار، فانتشرت ثقافة ارتداء الجينز الأمريكى والسجائر الأمريكية من خلال الأفلام والمسلسلات، والتى حولتها لموضة ودليل على التحضر ومرادفًا لمظاهر الرجولة، من خلال أبطال هذه المسلسلات.
كذلك طغت اللغة الإنجليزية كلغة التعليم الأولي فى المدارس كنوع من الاحتلال الناعم، حتى تحولت اللغة الأجنبية للغة التفاهم بين أفراد الأسرة الواحدة وتوارت اللغة العربية، فنسيها الصغار، ولذلك يعجز الكثير من خريجى الجامعات اليوم عن الكتابة باللغة العربية أو فهم مفرداتها!!
كما أصبح تناول البيتزا والدجاج المقلى مع البطاطس، هو الطعام المفضل للشباب، واتتشرت المطاعم التى تزخر بالطعام الامريكي، الذى تسبب فى تزايد خالات السمنة والإصابة بالكوليسترول والدهون الضارة المدمرة للجسم.
ولا يختلف الأمر كثيرًا عندما استطاع الفكر الوهابى المتشدد نشر ثقافة إرتداء النقاب الأسود مع العباءات السوداء للسيدات فى أوساط الشعب المصرى فى التسعينيات، والذى لم يكن سوى نوعٍ من الأحتلال لنشر الفكر الوهابى المتطرف، بكل أفكاره التى أفسدت وسطية الشعب المصري والملتزم أخلاقيًا، فعرفنا معه أنماطًا من أصحاب أفكار تكفير المجتمع واستخدام العنف لفرض نمط بغيض من التشدد، كما هو الحال فى أفغانستان التى عادت لحياة أهل الكهف وأغلقت جامعاتها ومنعت تعليم الفتيات وأجبرتهن على الاختفاء خلف الشادور، فأعادت البلاد لعصور من التخلف والجهل.
وللحديث بقية..
——————–
* مدير تحرير أخبار اليوم