السبت , 20 أبريل 2024

“الخمسين”…قصة قصيرة بقلم: د. محمد محيي الدين أبوبيه

= 2594

في صغرى لم أكن أحفل بقصص الرومانسية ولا الأغاني التي تصدح بالهيام والشوق واللوعة تجاه الحبيب وكنت أعتبره ضربا من التفاهة وانعدام الشخصية فكيف أستمع إلى رجل يحكي عن مشاعره هو أو أحاسيس كاتب الأغنية وانساق وراءهما كما يساق القطيع… أو كيف أتأثر بقصه ليس لي شأن بها من قريب أو بعيد
كنت استهزاء بأصدقائي الذين ينصتون لتلك الأغاني وهم يسبحون معها في عالم آخر… وأستغرب جدا ممن يذرف الدمع لمشهد تمثيلي في التلفاز به أحداثا حزينة أو مواقف صارمة…
هل كان لبلادة مني أو جمود مشاعر… لم أفكر بالأمر وقتها واعتبرته من سماتي الشخصية الرصينة كما كنت أعتقد
حتى أيام الجامعة مرت دونما أي شرارة أو حتى لفحه من لفحات الحب الخافت… لعل ذلك أيضا لنشأتي الصارمة فأبي كان شديدا في تربيته لنا ولا تفوته فائتة من تصرفاتنا فكل شيء بحساب الدخول والخروج… حتى الأصدقاء كان يشارك في اختيارهم (لا تصاحب هذا فعائلته ليست علي مايرام… ورافق ذلك لأن عائلته ذات شأن)
وكذلك لا تدليل ولكن معاملة بالرفق فقط…
فمشيت علي الخط الذي رسمه لي
وكما أن دراستي بكليتي العملية كانت تأخذ كل همي وجل تفكيري…
فذهبت أيام الجامعة ثم تزوجت من فتاة لا تختلف كثيرا في تربيتها عني فتوافقنا من البداية وسارت الحياة علي النهج العادي كما تسير بنا الدنيا من أفراح إلى أحزان إلى ضيقه وانفراجة وهكذا مر العمر وقد وجدت نفسي بلغت الخمسين
أشياء جديدة بدأت تداعب نفسي كلما رأيت فتاه أو سيدة متأنقة وأقارن بينها بين زوجتي… ورقت مشاعري قليلا عما كنت سابقا فأحيانا أتذوق كلمات أغنيه أو يأخذني مشهد رومانسي بأحد الأفلام وأتوه قليلا معه
وبدأ الانسجام بيني وبين أغنيات (أم كلثوم) وخاصة القصائد الفصحى… وزاد ارتباطي بمعانيها وفعلت ما كنت استهزأ به مع أصدقائي فسرحت ليال وليال مع جو من العواطف المنفردة دون أي حبيب حتى زوجتي لم أكن أتخيلها أو أضعها بموضع معي في نشوتي
لاحظ زميلي بالعمل (مراد) التغير الحادث بشخصيتي وهو له باع في الشؤون الغرامية فابتدرني بسؤال… أنت داخل في قصة حب ولا ايه
اجبته باقتضاب مصطنع لا ولكن لا بد من الترويح عن النفس بعض الشىء… وانا مكتفي بام الاولاد…
فضحكت ضحكة خبيثة قائلا سوف نرى
مرت أيام وإذ بمراد يقول لي ايه رأيك طالما انت حابب تروح عن نفسك تيجي معايا رحلة لتايلاند ويا عمي أنا عزمك علي حسابي فالرحلة دي منظمها واحد حبيبنا ليه مصالح معانا ومش يدفعنا حاجة…
انجذبت لدعوته وسال لعابي فلأول مره سأركب طائرة وأفعل ما يحلو لي اعوض به أيام شبابي التي ذهبت هدرا في كبت وحرمان…
طفقت أحلم بهذه الرحلة التي قرب ميعادها وأصبح بعد يومين… وكنت قد أخبرتهم بالمنزل أني ذاهب في مهمة عمل كما نصحني مراد
ونحن نجهز حقيبة السفر مالت علي زوجتي وقالت ياريت متأخرش في السفريه دي
ليه… خير
فيه عريس جي يخطب بنتك… معيد عندها في الكلية… وراجل محترم وابن ناس كان جي بكره بس موضوع السفريه خلى بنتك تأجل ميعاد مجيوه
… تركت الحقيبه… ونظرت الي زوجتي كأني صعقت أو تلقيت ضربة علي أم رأسي
ووجدتني قد تلبستني شخصية أبي وانسلت مني الروح الجديدة
وكست وجهي الجدية…
لن نغير الموعد…
… انا سأبقي ولن أذهب للمهمة…
… وهاتفت مراد وانا اقول له
لن أذهب الي تايلاند ولكني سأذهب الي (مكة).

شاهد أيضاً

إنجي عمار تكتب: قبل ودبر..!

عدد المشاهدات = 1368 قبل ودبر بضم الحرف الاول من كلتا الكلمتين. كلمتان بينهما تضاد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.