الثلاثاء , 14 مايو 2024

ظباط البسكوته..وبلطجية الإعلام!

= 1439

Kholod Abulmagd 2


بقلم: خلود أبوالمجد

عندما تصبح وحيدا في بلاد الغربة، تجبر على ممارسة هواياتك ومحاولة ايجاد السبيل لقضاء اوقات فراغك في عطلات نهاية الأسبوع في كل مرة بطريقة مختلفة، ونظرا لأشعة الشمس المتوفرة بغزارة في الكويت الحبيبة، فلا يصبح لديك سبيل سوى قضاء وقت فراغك على شاطيء البحر، في محاولة لاكتساب لون مايا دياب الذي تسعى الفتيات جاهدات لاكتسابه، إلا أن الشمس هنا كفيلة بتحولك للون أوبرا وينفري في ساعتين، وفي تلك الأثناء ورغما عنك يجد الأنسان أذنه تتحلحل من مكانها لتسقط على الأرض راكضة نحو الحواديت وليس الأحاديث فقط، لأنها قصص تصلح لكتابة عدد من الأعمال الدرامية الصالحة للعرض الرمضاني.

تلك تحكي عن زوجها وكيف أجبرته على شراء شقة في بلدهما لأنها لا تقوى على العيش مع شقيقته الكئيبة، والآخر يتفاخر بعدد الفتيات اللاتي يواعدهن وكيف أن لكل منهن منصب ولديها من المال الكثير ما يجعله يعيش ملك زمانه، وهو لا يخجل من هذا قط، فإن لم يكن كذلك يلقب بين من يتفاخر بينهم بالمغفل الكبير خاصة وإن قرر الزواج من إحداهن، ومن هنا حديث ومن هنا قصة حتى تجد تلك المجموعة البعيدة التي تدخن الشيشة وتتحدث في السياسة أو في شؤون بلادها، فتستقر أذنك لديهم لتتعرف على خلفياتهم وما يستوعبوه من ذاك الكم الهائل من الأخبار الذي يبث عبر برامج ( مين فينا بيشتم أكتر) أو المعروفة بإسم "التوك شو"، وفي مقولة أخرى "شوز" بمعنى حذاء أعزكم الله.

وفي هذا الاستقرار نجد تلك المجموعة كل منها يدلي برأيه بحسب ما وصلته المعلومة أو كما يراها من وجهة نظره، لتجد نفسك في النهاية لا تكتفي بالاستماع لكنك تقرر المشاركة في الحديث الذي سرق أذنك. وكان الحديث هذه المرة حول الممارسات التي يقوم بها رجال الداخلية ضد المواطنين، والعنف الذي مازال ينتهجه ظباط حبيب العادلي كما أسماها ذاك الشاب الذي بدأ الحديث، لتترتفع نبرة الآخر معلنا تأييده لما يفعلوه فنحن شعب على حسب تعبيره لا يستحق إلا الحرق، ( وكسبنا إيه لما طبطبوا عليهم عشان محدش يقول حقوق الإنسان؟ أدينا مش عارفين نمشي مطمنين في الشارع).

هكذا كان الحوار الذي استوقفني وجعلني أشترك به أيضا، وأتساءل هل كان الشباب يقومون بالثورة لكي لا يجدوا لديهم رقيبا أو حسيبا يقوم سلوكهم ويحد من اندفاعهم، الذي قد يأخذ البلاد لحافة الهاوية؟

من المؤكد بأن الإجابة هي لا وألف لا، فنحن لسنا همج بطباعنا وما عرف عن المصريين تحديدا بأنهم شعب مرتب منذ رسم على الجدران ودون يومياته عليها، حتى يبهر بها العالم أجمع، لكن من ينادى "بظباط البسكوته" الذين يستقبلون المجرمين والمخربين بالسجاد الأحمر فهو إما أحمق أو أنه يسعى لانتشار الفساد حتى يتمكن من تمرير مصالحه، وتنمية فساده الشخصي، وهذا ما يفعله إعلام "التوك شوز" المدمر الذي كشف نفسه وأفراده تماما أمام أفراد الشعب، فبات يعلم الجميع كم محفوظ عجب في إعلامنا، بل أنهم قادرين على تسميتهم (نفر نفر).

هؤلاء المتلونين الذين كان البعض منهم لفترة قريبة يطل علينا بالصراخ ويتباهى بنحن من أسقطنا الإخوان…من هذا الإستديو، ونحن قادرين على فعل هذا مرة جديدة، نراهم هذه الأيام وأصبحوا بدلا من العواء الذي كانوا يطلقوه اتجهوا لـ ( النونوه) ومداعبة المسؤولين، والبحث عن المبادرات حرصا على بقائهم على الشاشة، فهم لا يقووا على مفارقة الكاميرا كما يفارقون بيوتهم كل يوم لنشر سمومهم على الهواء مباشرة.
هؤلاء هم السبب الرئيسي في ترويج هذه الصورة السيئة عن جهاز الداخلية، ولست هنا في موقف الدفاع عن الداخلية أوعن ممارسات البعض منهن تجاه الشباب أو أي شخص من أفراد الشعب، فهم لا ينشرون في إعلام الدعارة الذي يديرونه سوى المخالفات التي أشعلت في الماضي الثورة التي يحاولون إشعالها من جديد وكأن مصر تلك الأرض التي يعيشون فيها ليست ببلادهم.

نحن شعب أثبت بالفعل للجميع بأن حبيب العادلي أو من على شاكلته هو وزير الداخلية الوحيد القادر على السيطرة على الشارع، فصحيح أننا نمشي في خطوات ثابتة مثلما أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي في حديثه الأخير نحو محاربة الإرهاب، لكني على يقين بأننا إن كنا في عهد وزير داخلية كما العادلي كنا تمكنا من القضاء عليه في فترة قياسية أسرع من الآن، فنحن شعب تربى على ثقافة الخوف من كل شيء، ( واللي ملوش كبير يشتريله كبير)، لكن إن تركنا كما نحن الآن وأعطينا الثقة على العيش بتحضر، ستكون الفوضى هي اللغة السائدة، والهمجية هي عنوان المرحلة، وهذا بالفعل ما لمسناه في قطاعي الداخلية والإعلام، حينما بدأت الداخلية تمارس سياسة القلب الحنون مع المجرمين لدرجة تكاد تصل لسؤال المتهم تحب تشرب كابتشينو؟

وفي الإعلام حينما تم إلغاء الوزارة فأصبحنا في عصر الإعلامي البلطجي الذي يهدد ويكاد يخرج السلاح الأبيض ( المطواه) من حقيبته أو من (الشراب) ونشاهده يغمض عين ويفتح الأخرى قائلا للمسؤولين (هغزك).

لست ضد الحريات وممارستها، لكننا لا نمتلك ثقافتها حتى الآن، فحريتنا مازالت لا تقف عند حد حرية الآخرين، بل أننا لازلنا نعطي الحق لأنفسنا بالتدخل في حرية الآخرين والحكم عليهم ولا نسمح لهم بالتدخل في حريتنا ونغضب ونثور إن قام أحدهم بالحكم علينا.

الحرية ثقافة وفكر يجب ضمه للمناهج التعليمية قبل المطالبة بإكتسابها، وهذا لن يتحقق في الوقت الراهن ولكن من الممكن أن يتمكن أحفاد أحفادنا من رؤيته وممارسته، لكننا الآن يجب أن نلتفت نحو البناء والتغلب على الصعاب والكوارث المتواجدة بيننا في هيئة بشر تدافع وتناشد بالحصول على الحريات، وهم في النهاية يراعون مصالحهم لا أكثر، غير عابئين فعليا بهموم هذا الشعب الذي أنهكته أربع سنوات عجاف من عدم الاستقرار والإحساس بالأمان، وظل يدعو رب العالمين بأن يهدي لمصر رئيسا قادرا على تحمل مسؤوليتها، لأنها أمانة من الله يجب الحفاظ عليها حتى يأذن بيوم الحشر العظيم، وهو يوم يكرم المرء أو يهان، فاتركوا الداخلية تقوم بمهامها واصمتوا، وإن كنتم لا تقوون على الصمت فاستعرضوا الانجازات اليومية التي تحدث، عاونوا ذاك الشهم الذي قرر تحمل المسؤولية في زمن عز فيه الرجال وكنا نبحث بين كل المرشحين الذي هبط علينا البعض منهن بالباراشوت، لنعرف ونقدر قيمة أن يكون وزير الداخلية مثل (العادلي)، بل أن هناك البعض ترحم على أيامه، للرغبة الشديدة في الاستقرار الذي يتولد من الشعور بالأمان.
————–
* كاتبة المقال صحفية مصرية مقيمة بالكويت

 

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: الاحتلال بالأفكار وليس بالسلاح (١)

عدد المشاهدات = 461 التاريخ يؤكد أن جميع القوى العظمى التى احتلت غيرها من الدول …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.