السبت , 18 مايو 2024

عبدالرزّاق الربيعي يكتب: الدم في المساجد !

= 1671

Abdul razak Rubaiy


ظهيرة الجمعة الماضي، حين توجهّت للمسجد القريب من سكني، كما اعتدت  أسبوعيّا، لأداء الصلاة ، أحسست كأنّني ذاهب إلى ساحة قتال، ورغم الأمن، والأمان في عُمان، أدامهما الله، وبخاصّة أنّها  بمنأى عن الصراعات التي نسمع بها في الدول الأخرى، وتجتمع مساجدها مختلف الطوائف، فلا مبرّر لأيّ قلق، ولكن كلّ الاحتمالات واردة، لم لا؟ ألست مسلما في زمن التكفيريين؟

وأشقّ في طريقي لمكان يجتمع به المسلمون، ومن سوء الحال الذي وصلنا إليه أن ّ المساجد على مدى أكثر من  1400سنة يسودها الإخاء الذي يلقي ظلاله على الأماكن المخصصة لإقامة شعائر الدين الإسلامي، وذلك منذ بنى الرسول الكريم(ص) مسجد قباء في المدينة المنورة ليكون  أول مسجد في الإسلام، وهي  بيوت عبادة يُذكر فيها اسم الله، وأماكن علم، يُقرأ بها القرآن، وترتفع الصلوات إلى عنان السماء، تدعو إلى الخير، ومحاسن الأخلاق، لكن منذ ظهور موجات الإرهاب والتطرف تحوّلت إلى بؤر للإرهاب ،وبث خطاب الكراهية، والحقد، بل تمادت تلك الجماعات لتحيل تجمعات المسلمين في "بيوت الله" إلى هدف لقتل أكبر عدد ممكن من المسلمين  تحت اسم الإسلام ،وصيحات "الله أكبر"!
 
حين رأيت جموع المصلّين تحث ّ الخطى نحو المسجد تخيّلت إنّ الكثير من هذه الجموع دارت بأذهانها الهواجس نفسها، لتغيب وسط هذا كلّه سكينة النفس المطمئنّة، وهو ما يخطّط له أعداء دين الرحمة، والتسامح، الذين قرأوا النص بعين "النفس الأمّارة بالسوء"، فشوّهوا صورته، وأعادونا إلى عصر بداية الدعوة حين كان المسلمون هدفا لمشركي قريش، واليوم، تعود الصورة من جديد، فصار كلّ مسلم، وغير مسلم هدفا للتكفيريين الذين يتخذون  القتل، وسفك الدماء طريقا للوصول إلى "الجنّة!" التي يعدون أنفسهم بها مكافأة على سلوك إزهاق النفس التي حرّم الله، وليس عن طريق العمل الصالح ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. علما إن ّ الوصول إلى الجنّة، بالنسبة لهم ، هدف لمجالسة "الحور العين"، وهذا أقصى ما يحلمون به من طيّباتها، لينفّسوا عن عقد، ومكبوتات.

 وفي هذا السياق ، فبعد يومين من وقوع جريمة الإنتحاري الذي فجّر نفسه في مسجد جعفر الصادق في الكويت انتشر مقطع يزفّ من خلاله أحد شيوخ التكفيريين "بشرى" وصول "الشجاع" كما وصفه إلى الجنة، وإنه تغدى مع الرسول والحور العين،  والأدهى من هذا إنه بدأ الحديث باسم الله!
 
والمصيبة إنّ كلّ هذا يحدث باسم الإسلام، وتحت راية " لا اله الا الله محمد رسول رسول الله"، فكيف يمكن لإنسان عاقل يدّعي إنّه مسلم ، وباسم الإسلام يقوم بتفجير نفسه في بيت من بيوت الله، ليقتل مصلّين، صائمين، عابدين ؟ لابدّ هنالك يوجد خلل في العقليّة، والتفكير!

لقد صرتُ حين أرى كل يوم صور مجازر يرتكبها "مسلمون" مدجّجون بالكراهيّة، يتمنطقون بالأحزمة الناسفة، ضد مسلمين أبرياء توجّهوا لبيوت الله للصلاة، والدعاء، أسترجع صرخة الشاعر بابلو نيرودا التي كتبها عندما رأى الدماء تملأ شوارع سانتياغو من ارهاب سلطة بينوشيت في انقلاب 3سبتمر1973م :

"تعالوا انظروا الدم في الشوارع !
تعالوا انظروا الدم في …….
تعالوا انظروا ……"

وليس أمامنا سوى أن " نمسح الحزن عن المساجد " كما تقول فيروز في (زهرة المدائن) للأخوين رحباني تأليفا، وتلحينا..

تقول  القاعدة الفقهية: (الدم ينقض الوضوء)، ولكنّ الدم الذي صار يسيل في المساجد، هل ينقض الصلاة؟

سؤال أوجهه لمشايخ التكفيريين الذين تحوّلت أنظارهم إلى المساجد ،فحوّلوها إلى مسالخ ،ولوّنوا سجّادها بدماء المصلّين الطاهرة.

فلأماكن العبادة قداستها، وحرمتها، وينبغي أن تكون بعيدة عن الصراعات ، وفتحها لها سيحوّل "بيوت الله إلى ساحة للصراعات والتفرقة، وتلك شرارة الفتنة التي تأتي على المجتمع برمته" كما يرى الباحث سعيد الكحل ، ويبدو إن شرارة الفتنة انطلقت لتحرق الطمأنينة التي نشعر بها حين ندخل بيوت الله بعد أن سال الدم في المساجد !
 
Razaq2005@hotmail.com

شاهد أيضاً

إنجى عمار تكتب: التحلي والتخلي

عدد المشاهدات = 2398 نقطة واحدة فارقة كالحجر الصوان ارتطم بها رأسنا لنعيد اكتشاف أنفسنا. …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.