يائسٌ… لا ذاك الذي بكى خذلاناً، بل الذي جفّت دموعه من فرط الخيبات، كان يسير في طريقٍ ظنه النهاية، مضى إليه حاملاً فتات الرجاء، ونبضاً بالكاد يُسمع… فإذا بالنهاية ليست إلا بداية أخرى، ممراً ضيقاً يقود إلى هاوية جديدة.
كأن الطريق يسخر منه، والأرض تمادت في عبثها معه، وقالت له: “أظننت نفسك ناجياً؟ بل هذه كانت مجرد بداية لرحلةٍ لا يُرجى منها إلا التيه.” لم يعد يؤمن بشيء؛ لا بالوصول، لا بالخلاص، ولا بإنتهاء الألم، كل نهاية تلد مفترقاً، وكل مفترقٍ أشدّ قسوة من سابقه، وكل خطوة ليست اقتراباً من الراحة، بل انسحاباً أعمق نحو الهاوية.
لم يعد في قلبه مكان للدهشة أو الرجاء، انطفأ فيه النور، وتخشّب فيه الحلم، وصار الصمت لغته الأخيرة، الوجع يسكن فيه كما يسكن الغبار الأشياء المنسية، وكل شيء حوله يعيد تدوير ألمه… بنسخٍ لا تنتهي.
الطريق أمامه يفضي إلى طرق أخرى مُتفرعه، والأبواب التي طرقها ذات يأس، لم تكن تُفتح، بل كانت تُغلق ببطءٍ كأنها تستمتع بقتله.
لا ظلّ للأمل خلفه، ولا أثر للسكينة أمامه، كل ما في الوجود صار مرآةً تعكس كسوره، وكل صوتٍ صار صدى لانهياراته.
السماء لم تعد زرقاء… بل بلون الحزن الهادئ، ذلك الحزن الذي لا يصرخ، بل يخنق في صمت، لم يكن يمشي بحثاً عن الحياة… بل هرباً من موته المؤجل، كأن البقاء ساكناً كان أشد وجعاً من الانحدار، فاختار أن يمضي… حتى لو لم يعرف إلى أين، وحين وقف أخيراً في نهاية الطريق، لم يجد أي نهاية، بل طريقاً آخر… صامتاً، موحشاً، لا يحمل شيئاً سوى إعادة الوجع من البداية.
هكذا كان اليأس فيه…
كشخصٍ أدرك متأخراً أن النهاية ليست نهاية، بل طريقٌ آخر بلا قلب… ولا رحمة.