ما دفعني لكتابة هذا المقال الآن تحت ذلك العنوان هي تلك الزيادة المبالغ فيها -من وجهة نظري- في رسوم أو تكلفة إقامة المريض النفسي في مستشفى الطب النفسي فقد كانت الرسوم 750 جنية في الشهر تدفعها أسرة المريض نظير إقامته في المستشفى لمدة شهر وإذا احتاج علاج المريض وقتا أطول يتم دفع نفس المبلغ لشهر إضافيا وهكذا وفي حالة خروج المريض قبل انتهاء المدة التي دفعها يسترد بقية فلوسه عند الخروج وكان هذا المبلغ مقبولا ولكن ما حدث الآن إنه زاد هذا المبلغ من 750 في الشهر إلى 4500 جنية في الشهر!!
نعم ربما أحد من القراء يرى أن هذا الرقم عادي وليس مبالغا فيه مقابل إقامة كاملة وعلاج وإشراف طبي كامل طوال الشهر، وأنا أيضا أتفق مع هذا الرأي، ولكن هناك نقطة في غاية الأهمية لا بد من أن نقف عندها ونتأملها جيدا، وهي أن المريض النفسي ليس كغيره من المرضى، والمرض النفسي ليس أيضا كغيره من المرض، فالمريض في الغالب يحتاج إلى وقت طويل محجوز داخل المستشفى حتى تستقر حالته ويستطيع أن يخرج للمجتمع مرة أخرى دون الخوف من أن يصبح خطر على نفسه أو على الآخرين، وهذه النقطة تعني أن الأسرة لن تدفع شهرا واحدا بل ربما وصل الأمر في أغلب الحالات إلى عدة شهور، وهذا سيكون مرهقا للغاية على أسرة المريض التي تعاني أساسا لمجرد وجود مريض نفسي بينهم، ثم إنه مرض قابل للانتكاسة وذلك لعدم التزام المريض بأخذ علاجه بعد الخروج في البيت، لذلك أنا من نعمل في هذا المجال نعرف مرضانا أكثر أحيانا بمعرفتنا بأفراد أسرتنا وذلك لكثرة ترددهم علي المستشفى، لذلك أرى أننا قد بالغت كثير في تلك الزيادة التي وصلت إلى 5 أضعاف ما كانت عليه!!
ورغم حيوية تلك النقطة إلا إنه هناك ما هو أخطر من هذا وهو أن الأسرة التي ربما تعالج مريضها منذ سنوات ربما تضطر إلى التخلي عن دخوله المستشفى نتيجة زيادة رسوم الدخول والحجز وهنا تأتت الخطورة الحقيقية على المريض وعلى من حوله وعلى المجتمع، فهؤلاء المرضى في مرضهم يصعب جدا السيطرة عليهم في البيت وهم كثير الحركة في غير وعي وكثيرا منهم يترك البيت لأيام وأسابيع ويمشي في الشوارع لا تعلم أسرته عنه شيء،.
فتخيل معي أيها القارئ الكريم فى ظل تلك الزيادة المُبالغ فيها أن يصبح عددا كبيرا من المرضي فى الشارع يمثل خطرا على نفسه أولا وخطرا على الآخر أيضاً فهو غير مدرك لتصرفاته ولا يستطيع أن يميز جيدا بين الخطأ والصواب ومنطقية الأمور فهو مريض نفسي وعقلي وتلك هى طبيعة مرضه، ومن ثم يمكن أن تزيد الجريمة (غير المقصودة) نتيجة التصرفات الناتجة عن المرض، وكان يمكن أن نستثني مستشفيات الطب النفسي من أي زيادة لخصوصية مرضى تلك المستشفيات، وخصوصية مرضهم، وخطورته على المريض وعلى من حوله، فقد رفع الله عزوجل عنهم القلم ألا نرفع عنهم نحن الزيادة.
لذلك أتمني وأرجو من معالي الدكتورة وسام أبو الفتوح الأمين العام للأمانة العامة للصحة النفسية، أن تنظر مرة أخري فى قرار تلك الزيادة، رحمة بالمرضى وأسرهم والمجتمع، فهي كما أعلم يقيناً وليس ظناً طبيبة بدرجة إنسان بلا حدود، فمعالي الدكتورة من هؤلاء الذين مازالوا على قيد الانسانية وليس فقط على قيد الحياة.
حفظ الله مرضانا وشفاهم .. حفظ الله مصر .. أرضا وشعبا وجيشا وأزهرا
——————————————
* كاتب صحفي … جريدة حياتي اليوم