الجمعة , 20 يونيو 2025

مي سامح تكتب: “رسالة فارس”

= 1573

ماذا إن كان مُقدر لك أن تُقابل شخصاً بأفكارٍ مختلفة عن الحياة، شخصٌ غريبٌ عَنْك و لكن فجأه يُصبح قريباً مِنْك كأنه دخل رأسِك و رأي العديد من الخيالات، رأي ذاتَك التي تُخفيها احياناً حتي عن نفسِك، يُمكنه وصفَك بإيجاز بمجرد أن ينظر إليك نظرةً واحدةً فقط، تستطيع عيناهُ أن تخترق عيناكَ و كأن بينهما رابط يوُصِل كل الأحاديث التي تُخفيها و يترجِمها هو داخل عقله حتي يستنبط ما يدور بعقلِك فلا تجد صعوبه ابداً في شرحِ نفسك امامه و كأنه يأتي لكي لا تشعر بالوحده، يأتي حتي تُلقي ذلك العبء و يُصَب تلقائياً لديه فتشعر بالراحه و تَدُبَْ الروحَ في اوصالِك و يتسابق الأمل في الوصولِ الي قلبك مجدداً، هذا ما حدث معي تحديداً حين رأيته..

كان يوم ثلاثاء و كما يُقال عن هذا اليوم بطبيعته أنه اصعب يوم في ايامِ الأُسبوع و لكني لا اقتنع بتلك الخرافات فكل ما خلقه اللَّهُ جميل و لكن بطبيعةِ الحال و بعد عناءِ يوم طويل كنتُ اشعر بالتعب، اتعلم؟ عندما تشعر بأنك مُثقِل و أن الحياه ما هي إلا هُراء و ادعاءات، رأسُك مشوَش، افكارُك مبعثره، روحك عبءٌ عليكَ، تريد أن تتخلص من كل تلك الضغوط التي تُكبت انفاسك، تريد أن تتحرر و تعود طفلاً لا يعبء بشئٍ سوي اللعِب فقط.. وصلتُ منزلي بعد عناءِ الزحام و نميمة البشر و احاديثهم التي لا تتوقف، القيتُ بنفسي علي سريري العزيز الذي اعتبره اعز شئ امتلكه في منزلي المتواضع.. و لكني لم استطع النوم اشعر بألمٍ شديدٍ في رأسي، قمتُ بالأعتدال في جَلستي و اخذت دوائي و صنعتُ لنفسي كوباً من الشاي و بعد الإنتهاء شعرت برغبةٍ شديده في الصعودِ إلي سطح المنزل لا اعلم فأنا من وقتٍ لآخر احبُ أن اري العالم من وجهةٍ عاليه لآري كَمَْ الضآله التي نبدو عليها و لأستسلم لنسيمِ الهواء و هو يضرب وجهي لعلّيَّ اشعر بالتحسن، بينما كنت واقفةً لأُراقب الجميع .. شعرتُ بجسدٍ يلتصق بيّ و يضع ذراعيه علي سورِ السطح و يبتسم ! لا اعلم كيف لم اسمع خطواتَه من الخلف و لكن عقدتُ حاجباي و شرعتُ في الحديث و أنا المسه قائلةً

– هل انت حقيقيّ؟!

ليضحك بصوتٍ عالي ليجيب

– حقيقيّ مثل قلبُكِ تماماً

– و لكن ماذا تفعل هنا في هذه الساعه؟!

– ابداً أنا اسكن في الوجهةِ المقابله لمنزلك و عندما كنت اقف في شُرفتي وجدتك واقفةً هنا شارده قُلت لنفسي و لما لا!

– ارجوك أنا لا اريد المزيد من تلك الأحاديث الغريبه لقد اكتفيت منها اليَوم..

سَكَتَْ قليلاً و نظر إليّ بعمقٍ ليباغتني بسؤالٍ لم اتوقعه من شخصٍ جرئ و مفعم بالحياةِ مثله!

– هل فكرتِ في الإنتحارِ مسبقاً؟!

– بالطبع لا لمَ افكر في شئٍ قد حرمه الله علينا؟!

– كاذبه! جميعنا نفكر به و لولا أنه حُرم كنتِ ستجدين العديد قد قاموا بتنفيذهِ بصدرٍ رَحِب و لكن اتعلمين؟!
انتِ تخافين من مواجهة ذلك الأمر و أنا ايضاً اتراجع دائماً فالموت ليس بأمرٍ سهل..

كنتُ سأقوم بالرد و لكني فوجئت به يبتعد و هو يتحرك بشكل عشوائي علي السطح و يحرك يديه و يسمح للغةِ الجسد بأن تلعب دورها في مساعدته علي شرح أفكاره ثم استطرد قائلاً :

– شخصٌ مثلُكِ متشبث بآخر خيط يُمكن أن يُنجيه حتي من نفسه، شخصٌ مثلُكِ يريد التمرد، يريد أن يُحَلق بعيداً عن عالمِنا المريض، انتِ تريدين التحرر من افكارٍ عقيمه تحتل مجتمعنا الشرقيّ، تريدين أن تجدي نفسك اكثر من ذلك، هل فكرتِ بأن تقطعي كل الروابط التي تقوم بتأييدك

– أنا….

– هل فكرتِ في التخلي عن كل العوامل التي تقوم بالضغطِ عليكِ و تجعلكِ اكثر عُنفاً، اكثر تعقيداً!

– يمكنني أن…

– اذاً اصعدي معي الآن..

– ها؟!

وجدته قد صعد سور السطح اصدرتُ صرخةً خرجت رغماً عني؛ ف وضعت يدي علي فمي و رجعت خطوةً للوراء

كان يقف بثبات و شعره يتطاير يميناً و يساراً بشكلٍ منتظم..

– اصعدي الآن.. رددها مجدداً

وجدتُ نفسي مسلوبة الإراده وقفت بجانبه احاول أن لا انظر لاسفل و اردتُ أن انزل و اهرب من ذاك المجنون الذي اقتحم عالمي و جعلني افعل شيئاً لم اتوقع يوماً أن افعله! كنتُ أهُمَ بالنزول و لكنه مسك يدي فجأه و شَدّ عليها و نظر ليّ قائلاً بصوتٍ واضح اشبه بالصراخ و كأنه يُفيقني من شئ

– عليكِ بالتحرر من تلك الأفكار، فليذهب المجتمع للجحيم إن كان يجعلكِ تتخلي عن اجمل ما بكِ، ذكائِك الذين يريدون أن يحولوه لمجرد روتين يوميّ دون اي ابداع! فليذهب المجتمع للجحيم إن كان سيطفئ بكِ أي رغبةٍ في المطالبةِ بحقك، إن كان سيطفئ نورك و ايمانك بأن الله سيغير كل شئ في الوقتِ المناسب، إن كان سيجعلُكِ اكثر سلبيةً و اكثر وحده، إن كان سيزيد من مخاوفِك و يعمل علي زيادة سكونك في مَكانُكِ بلا حِراك بلا تحديد مصير، بلا شئ! لا تجعلي الخوف يأكل و ينهش كل ما بداخلك! ثوري علي مخاوفكِ، ثوري علي من احبطك و اجزَم علي فشلك! ثوري علي من قام بتكذيبك و ظُلمك دون الاستماع لدليل، قومي بإثباتِ نفسك دائماً، لا تكوني محطْ انظار للخيبات و كلام السفهاء، كوني انتِ التي تخفيها كونِ انتِ يا حلوَتي و ليذهب للجحيم كل من يقف في طريق أن تكونِ انتِ و حسب !

شرعت في البكاء و كأنني امسح كل ذلك الضباب من فوق عيني و كأنني احيا من جديد، و كأني طفلةٌ حديثة الولاده بين ذراعيه من الغريب أنه يعرف عني ما لا اعرفه عن نفسي أو انني فقط اُتقن الدور في انني لا اعرفه عن نفسي ! بل و الأغرب أنك احياناً تكون مدركاً لكل ذلك و لكن إن قام احدهم بقولِه تشعر و كأنك كنتُ بغيبوبةٍ طويلة المدي، جسدك و عقلِك يتنازعان في دَفعِها بعيداً حتي تتخلص مِنها و تستيقظ..

اراح يده قليلاً علي يدي و اخذ يمسح عليها بحنانٍ لأتوقف عن البكاء..

– لا تبكين إلا امام من سيقَدّر ذلك لا تسمحي لنفسك بالضعفِ امام شخصٍ لا يستحق ولا تتركي احداً مهما كان أن يُبكيكِ، فالبعض يستحق ان يري ابتسامتك الجميله، ف أنا اري بكِ ما لم يلحظهُ غيري و لن يلحظه غيري!

ابتسمت قائلةً:
و لكن من اين كل تلك الثقه؟!

– منكِ، ف انتِ مصدر حنان، قوه و فخر لمن يقف بجانُبكِ أو حتي يعرُفك، انكِ امرأةٌ قويه عزيزةُ النفس و لكنكِ في نفس الوقت طفلةٌ تريد الأمان من وَحشةِ ذاك العالم..

– و لكن ماذا بعد؟! هل سنظل عالقين هكذا؟! ثم تبادلنا الضَحِك علي حالِنا هذا..

سكتْ بُرهه ثم استكمل حديثه بصوتٍ هادئ

– إن قفزت من هنا هل ستقفزين معي؟!

– قولت بسخريه : بالطبع لا ! فأنا اريد ان اَكْون نفسي! هل نَسيت؟!

فضحك و نظر ليّ فخراً ثم بادرته بنظرةٍ متردده

– و لكن لنفترض إن قفزت أنا هل سوف تتركني ام ستنقذني؟!

اجاب بثقةٍ:
إن قفزت أنا ف لن تجدي فارساً وسيماً مثلي لإنقاذك و لكن إن قفزتِ انتِ ف لن تكونين وحدك ابداً سأُلاحقكِ و اذا داهمتُ الوقت قبل اتخاذك لهذا القرار سأُعيد الكَرّه و اقنعك بالتراجع و هذا سيكون افضل لنا.

ثم قفز للخلف و مدَّ يده امامه لاقفز بدَوري بين ذراعيه ليقول:

– فارس

لابتسم قائله:

– فريده

لنبتسم في آنٍ واحد و كأننا الآن عَلِمنا السر وراء اسْمينا؛ ليحملني بين ذراعيه و نترُك هذا السطح الذي بدأت من عنده رحلتنا في العثورِ علي ذاتِنا الحقيقيةِ معاً.

شاهد أيضاً

بين الخنجر واللبان .. حين تتحوّل الهوية إلى اقتصاد

عدد المشاهدات = 6181 بقلم: معمر اليافعي (ابن الحصن) في عالم يتسابق نحو استثمار كل …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.