الجمعة , 17 مايو 2024

عبد الرزّاق الربيعي يكتب: كلابُ (حمزاتوف)!

= 1603

———

في البداية أحبّ أن أشير إلى أنّ عنوان مقالي هذا قد يحيل الأذهان إلى ما عُرف به في علم النفس السلوكي بـ(كلاب بافلوف)، ورغم أنّ مفردة (كلاب) هي القاسم المشترك بين عنوان المقال الذي أضاف اسم (حمزاتوف) الشاعر الداغستاني الشهير، بكلاب سنأتي على حكايتها معه ، التي سبق لي أن تطرّقتُ إلى ذكرها قبل سنوات، وأستدعيها اليوم، أمّا مصطلح (كلاب بافلوف)، فهو يضيف مفردة (كلاب) إلى اسم عالم النفس الروسي صاحب النظرية المعروفة في علم النفس السلوكي التي يطلق عليها نظرية “الاقتران الشرطي”، ومع ذلك ، فكلاب (رسول حمزاتوف)، غير (كلاب بافلوف) بالتأكيد، رغم تشابه الإسمين من الناحية اللفظية، ولتوضيح ذلك ينبغي توضيح كلّ منهما على جانب، ولأبدأ بعرض تعريف سريع بـ(كلاب بافلوف) التي أجرى عليها عالم النفس (بافلوف) تجاربه عام 1902م ، وقد لاحظ خلالها، أنّ لعابها كان يسيل عندما ترى الحارس الذي يدخل عليها ليقدّم لها الطعام، بمجرد سماعها لخطواته، فأدرك ” أن رؤية الحارس لم تكن المثير الطبيعي للعاب، ولكنها أصبحت من خلال تعوّد الكلاب على تلك الإشارة؛ أي صوت خطوات الأقدام؛ التي تستهدي بها على قرب وصول الطعام، وبعد تأمّل ودراسة، أدرك بافلوف ظاهرة تكيّف الكائن مع ظروف بيئته، ثم قام بإسماع الكلاب صوت جرس قبل تقديم الطعام، وكرّر هذه العملية عدّة مرات، بعد ذلك قام بإسماع الكلاب صوت الجرس بدون تقديم طعام، فتسبب وحده في إسالة لعاب الكلاب توقّعاً منها أن الطعام قادم، وفي نهاية التجربة كان الجرس الُمسبب لاستجابة اشتراطية؛ أي اللعاب”.

فهناك جرس دائما يجعل الاستثارة متحقّقة

والأجراس كثيرة

والاستثارات أكثر

واللعاب يسيل!

أما الكلاب الأخرى التي ذكرها (رسول حمزاتوف)، فهي كلاب سائبة اعترضت طريقه ، عندما كان يسير ذات يوم، بمنطقة زراعية جميلة، فهاجمته، وشعر بخوف شديد، وفجأة سمع صوت راع يصيح به من بعيد “ألقِ بنفسك على الأرض وتظاهر بالموت ” قال : ففعلت حتى لم أعد أتنفس .. واجتمعت الكلاب لاهثة تشمني وتنبح ، وأنا بين الموت والحياة .. وحين رأتني لا حراك بي ، واصلت ركضها وهي تنبح . وهنا اقترب منّي الراعي، وسألني : من أنت ؟ وماذا تصنع هنا ؟ . قلت : أنا شاعر .. جئت هنا أكتب شعراً . فقال لي الراعي : أنت شاعر حقيقي ؟ . قلت : نعم . قال وهو يضحك : يا بنيّ .. إذا كنت شاعراً حقيقياً فسترى في طريقك كلاباً كثيرة” .

وهذا ما صادفه في حياته، وكان في كلّ مرّة يواجه هجوما، يتذكّر تلك الكلاب التي واجهته عندما كان في مقتبل شبابه، أما أنا فقد ذكّرتني بأبيات لإعرابي جاء فيها :

كلاب الناس إن فكّرت فيهم أضرّ عليك من كلب الكلابِ

لأنّ الكلبَ لا يؤذي صديقا وإنّ صديق هذا في عذابِ

ويأتي حين يأتي في ثياب وقد حزمت على رجل مصابِ

فأخزى الله أثوابا عليه وأخزى اللهُ ما تحت الثيابِ

وكم واجه في حياته من هذا النوع، وسواه !

ويبدو أن لعاب الكلاب التي جرّب عليها (بافلوف) نظريته يسيل ليس فقط عندما تسمع صوت الجرس، كنوع من الاقتران الشرطي، بل كلما رأت شاعرا يسير وحيدا في مزرعة مستمتعا بجمال الطبيعة، مطلقا لمخيلته، وتأملاته العنان، مصغيا لأصوات الطبيعة التي لم تجعله يسمع نباحها في الجانب الآخر .

شاهد أيضاً

هبة حسين تكتب: شريحة إلكترونية فى الدماغ

عدد المشاهدات = 1015هل يمكن فى المستقبل أن نحمل جميع بياناتنا وأدواتنا الشخصية داخل أجسادنا؟ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.