الخميس , 16 مايو 2024

عبدالرزّاق الربيعي يكتب: ليلة غياب “محفوظ عبدالرحمن”

= 5160


أعادني خبر رحيل الكاتب الكبير محفوظ عبدالرحمن عن عمر ناهز 76 عاما، إثر جلطة دماغية، إلى مطلع الثمانينيات عندما عرض له التلفزيون مسلسل” ليلة سقوط غرناطة”، وكان من بطولة :عبدالله غيث، وأمينة رزق، وإخراج: عباس ارناؤوط، وقد شدّنا المسلسل إليه منذ الحلقة الأولى للغته العالية، والبناء الدرامي ذو الحبكة المتماسكة التي لم نألفها في الأعمال الأخرى، فأحداث المسلسل تدور في ليلة واحدة فقط، وهي الليلة التي شهدت تسليم غرناطة إلى الإسبان، وغروب شمس المسلمين في الأندلس، وما رافق أحداثه من اسقاطات على الواقع العربي، الذي شهد صراعات، وتناحرات مماثلة، على مرّ الحقب.

ورغم أنّ الكاتب الراحل كان قد كتب قبل “ليلة سقوط غرناطة” مسلسل” سليمان الحلبي”، تلاه مسلسل ” عنترة” لأحمد مرعي، وكتب بعدها الكثير من المسلسلات من أهمها” بوّابة الحلواني”، و”أم كلثوم”، والأفلام السينمائية التي أبرزها “ناصر 56” ، و”حليم”، و”القادسيّة”، إلا أنّ “ليلة سقوط غرناطة “، بقي هو الأهمّ ليس بالنسبة لنا فقط ، بل حتى بالنسبة له، كما قال في جلسة جمعتنا بـ”مسقط” التي زارها أكثر من مرّة بدعوات وجّهت له لإلقاء محاضرات في الكتابة الدراميّة، وتنظيم حلقات عمل.

وأذكر أنّه طلب ذات يوم أن يشاهد عرضا مسرحيّا عمانيّا، فقال له د.عبدالكريم جواد ” يقام حاليّا في جامعة السلطان قابوس مهرجان المسرح الجامعي، فإن أحببت يمكنك أن تحضر أحد العروض”، فقال له”اختر واحدا منها”، فقال له د. جواد، وكان رئيس لجنة تحكيم المهرجان ” ما دمت قد تركت الأمر لي، فسأختار لك عرض”سقراط” لكلية التربية بعبري، والنص لزميلنا الربيعي”، فأحسست برهبة، وارتباك، فكيف يمكن لكاتب بحجم محفوظ يشاهد عرضا لي!!؟ ولكنه سرعان ما حسم الأمر، وقطع ذهولي بقوله ” مادام الأمر هكذا ،فسنذهب لمشاهدته”، فازدادت ضربات قلبي، وقبل أن يغادر قال لي” نراك في العرض”، فقلت له ” عذرا، لن أتمكّن من ذلك ما دمت ستحضر “! ،فاندهش، لكنّه ظنّ إنني أدّعي ذلك، وبالفعل، اعتذرت من فريق العمل عن الحضور، هيبة لحضور هذا الكاتب الكبير، وشعورا بالرهبة، فكيف يمكنني أن أرى كاتب مسرحيات كـ “حفلة على خازوق”، و”السندباد البحري”، و”الحامي والحرامي” و”عريس لبنت السلطان”، و”بلقيس”، و”ليلة من ألف ليلة وليلة” يشاهد نصّا لي ؟

ماذا لو لم يقدّم، وهو نص شعري، بطريقة لائقة؟ أين أخفي وجهي منه عندها؟ أسئلة كثيرة دارت في رأسي ، وجعلتني أعتذر عن حضور العرض الوحيد للمسرحيّة في “مسقط”.

وفي المساء التقينا في أحد المقاهي ، وحين رآني، صاح بوجهي” إذن، عملتها بصحيح”، قلت له” عذرا، صعب جدا تخيّل ذلك”، فصافحني مهنئا ، بعد ذلك، انتهت الدورة، وعاد إلى مصر، وتواصلت معه هاتفيّا، وكان في كلّ مرّة يحمّلني تحياته للأصدقاء في السلطنة.

وحين سمعت بخبر رحيل هذا الكاتب الكبير، شعرت أن الدراما ليست وحدها من فقدته، ولا المسرح، بل الأدب عموما، فمحفوظ عبدالرحمن أديب له العديد من الإصدارات الأدبية، وفي كلّ أعماله نرى طغيان لغة الأدب في أعماله، كما فعل أسامة أنور عكاشة، وبذلك يكون قد نقل الأدب من الكتب إلى الجمهور العريض، الذي تابع أعماله بشغف، وسيفتقد كاتبها كثيرا الذي غاب، وبقيت أعماله حاضرة لن تسقط من ذاكرة الجمهور.

شاهد أيضاً

قصر الدوبارة… وعلاقته بالشئون السياسية في مصر

عدد المشاهدات = 3893 بقلم الكاتبة/ هبة محمد الأفندي المنشأ: يعود قصر الدوبارة للأميرة أمينة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.