الثلاثاء , 14 مايو 2024

عبدالرزّاق الربيعي يكتب: درجات الحرارة وأخلاق الناس !

= 1403

Abdul razak Rubaiy

 

حين كنت أتمشى على الشاطئ القريب من محلّ سكناي، بصحبة أحد الأصدقاء، ارتفعت مآذن مسجد قريب تدعو للصلاة، فعرض عليّ صديقي التوجّه للمسجد، قلت له «كيف أدخل المسجد، وأنا بهذا الحال؟ مشيرا إلى «الشورت» القصير الذي أرتديه، كما اعتدت في الأيّام الحارّة، حين أذهب للبحر؟ أجاب: «لا توجد مشكلة، ستجد الكثيرين ممن يرتدون مثله»، فعقدت الدهشة لساني!

لقد كان مصدر اعتذاري عن دعوة صديقي، أن لكلّ مقام مقالا، وللمساجد هيبة في النفوس، قال تعالى «يا بني آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ» فلا ندخلها بـ«الشورتات» القصيرة، كما طاب لصديقي أن نفعل، وما نرتديه في مكان لا يمكن أن يكون مناسبا في مكان آخر، رغم أنّ البعض يرى أنّ كلّ الأمكنة سواسية كأسنان المشط، ومن هؤلاء، الشاهدة التي دخلت محكمة في جزيرة إسكيا السياحية جنوبي إيطاليا، للإدلاء بأقوالها في قضية جنائية، وهي ترتدي ملابس الشاطئ، فما كان من قاضية في المحكمة إلّا حظر دخولها، والطلب منها العودة لمنزلها، وتغيير تلك الملابس، ولم ينفع تحجّج الشاهدة بارتفاع درجات الحرارة في الصيف، فالقاضية إيماكولاتا كوزولينو أكّدت أن درجات الحرارة المرتفعة في الصيف لا تبرر للأشخاص الحضور إلى المحاكم وهم يرتدون السروال القصير «الشورت»، وحظرت دخول المحكمة بملابس غير رسمية، مثلما حظرت ارتداء التنورات القصيرة، أو الملابس التي تظهر الأكتاف أو المفتوحة أسفل الرقبة، فلا يمكن للصيف أن يضيّع الأعراف، والأخلاق، وإذا كنتُ قد أمضيت شهرا كاملا أرتدي «الشورت» في الصين، ذات رحلة صيفيّة، فإنني ارتديت البدلة في مناسبتين، الأولى لقائي بالسفيرين العماني، والعراقي ببكين، والثانية حضوري مناقشة رسالة تقدّم بها أخي الأصغر لنيل درجة الماجستير من جامعة ووهان الصينية، وكنت مع أخي بكامل قيافتنا مرتدين الملابس الرسمية، كما اعتدنا في أمثال هذه المناسبات، والمفاجأة التي كانت بانتظارنا هي حضور طلبة آخرين للمناقشة، وهم يرتدون «الشورتات» القصيرة !! بسبب الحرّ الشديد، وهنا حضرتني مقولة قرأتها ترى أن درجات الحرارة كلّما ارتفعت تراجعت أخلاق الناس !!

وكلّنا نعرف أن ارتفاع درجة حرارة الجو له تأثير على نفسية الإنسان، وسلوكه، وقد يفسّر هذا كثرة قيام الثورات في أشهر الصيف!! وقد توصّل باحثون أمريكيون في دراسة حديثة نشرت نتائجها مجلة «ساينس» الأمريكية، تقول خلاصتها «كلما ارتفعت درجات حرارة الجو، زاد ميل الإنسان إلى السلوك العدواني» وذلك «بسبب فقدان الجسم للسوائل، والأملاح المعدنية الضرورية للحفاظ على نشاطه وتوازنه»، كمل يؤكد أندرياس هاينس، مدير مستشفى الطب النفسي شاريتي في برلين، ويزداد السلوك العدواني في الأماكن التي يحتك فيها الناس ببعضهم البعض كوسائل النقل العام، والعمل، لذا ينصح الأطباء بالإكثار من شرب السوائل، وخاصة المياه عند ارتفاع درجات الحرارة.

وإذا كانت صحيفة «دي فيلت» الألمانية، قد كشفت أن أغلب وأخطر حوادث السير بألمانيا التي سجلت عام2005 م، وبلغت نحو 12 ألف حادثة سير، وقعت في أيام تجاوزت فيها درجات الحرارة الـ 25 درجة مئوية، فكيف يكون الحال مع ارتفاع حرارة تصل أحيانا إلى 50م في صيف بعض مناطق الخليج اللهّاب ؟ خصوصا أننا نمرّ بصيف حارق، وقد سجل شهر يونيو حرارة قياسية في العالم منذ نهاية القرن التاسع عشر، وقد أعلن العراق الأربعاء الماضي إجازة رسميّة في جميع مؤسسات الدولة تستمر حتى اليوم لأن درجات الحرارة تجاوزت الخمسين درجة مئويّة، وكشفت الإدارة الوطنية لدراسة المحيطات والغلاف الجوي في الولايات المتحدة (إن أو إيه إيه). والأخبار القادمة من الجليد في القطب الشمالي إن مساحته تراجعت بنسبة 7.7% بالمقارنة مع المعدل المسجل خلال الفترة 1981 – 2010.

وكذا الحال بالنسبة للقطب الشمالي، كما ذكرت وكالة الأنباء الفرنسية، وإذا كان «الصيف ضيّعت اللبن» كما يقول المثل العربي، فمع ارتفاع الحرارة علينا السيطرة على سلوكياتنا، لكي لا نتعرّض لموقف محرج، كالذي تعرّضتْ له تلك الشاهدة في محكمة جزيرة إسكيا الإيطالية، أو كردّة فعلي على دعوة صديقي حين طلب منّي دخول المسجد بسروال قصير!!

razaq2005@hotmail.com

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: الاحتلال بالأفكار وليس بالسلاح (١)

عدد المشاهدات = 544 التاريخ يؤكد أن جميع القوى العظمى التى احتلت غيرها من الدول …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.