الجمعة , 17 مايو 2024

عبدالرزّاق الربيعي يكتب: أفلاج في خزانة المعرفة

= 1713

razaq(1)

 

قبل سنوات قريبة، كنت حين أسأل الكاتب، أو الشاعر العماني عن إصدار له ، يبتسم بوجهي، ويقول " لم يحن الوقت بعد، فمازلنا في بداية الطريق"، ومع تفهّمي سبب تردّد الكثيرين بالطباعة لاحساسهم بمسؤوليّة الكلمة، وادراكهم بأنّهم لم يصلوا لقناعة بمستوى نصوصهم الفنّي، إلى جانب أسباب أخرى من بينها غياب المنافسة، والصعوبات التي يواجهها الكاتب العماني في وصول نتاجه للقرّاء، لقلّة دور النشر، فيلجأ لطباعة نتاجه على النفقة الخاصّة في دور النشر العربيّة، وذلك ليس متيسّرا لدى معظم الشباب.

ومع علمي بذلك، كنت مصرّا على ضرورة أن يسعى الشاب العماني  لايصال نتاجه لأكبر شريحة من القرّاء وغالبا ما أجد صعوبة في اقناع من يعزف عن الطباعة لقناعتي أنّ النشر ضروري لكلّ كاتب، وشاعر، لانتزاع شهادة اعتراف من النقاد، والأكاديميين الذين لا يعترفون بالكاتب كاتبا الّا اذا كان قد طبع نتاجا له ، ومن لم يطبع  لن يعثر، بسهولة، على موضع قدم في المشهد الأدبي، وفي بعض البلدان العربية كمصر، والعراق لا يستطيع الكاتب الحصول على عضوية اتحاد الكتّاب الا بتقديم أعمال مطبوعة، تعرض على لجنة متخصّصة للبتّ في منح المتقدم العضوية، أو رفضها.

أمّا من الناحية الفنّيّة، فيمكن من خلال نشر النتاج، وطباعته وضع التجربة على المحكّ لمعرفة آراء القرّاء ،والنقّاد، فيستفيد منها المبدع الشاب في نتاجاته القادمة.

إنّ طباعة الكتب ليست تكريسا للذات،كما يظن البعض،  بل هي ترك بصمة في هذا الكون عن طريق نشر المعرفة، واثبات وجود ، ومشاركة في صنع جمال العالم،  وتقديم مشاركة فاعلة ،ومساهمة في صياغة الحياة .

طباعة الكتب تواصل، وسدّ ثغرات في المكتبة باعتبار إنّ أيّ نتاج، مهما بلغت  قيمته الفنيّة، هو ترك علامة تؤشر على وجود الكائن، والظروف المحيطة بالمنتج، ليكون المطبوع  مرجعا ،وتاريخا للفترة الزمنية التي أنتج فيها.

لكنّ المشهد اليوم تغيّر!

فسنة بعد أخرى، بدأت الكتب العمانيّة تخرج إلى النور، وصرنا نراها تحتلّ مكانا في أجنحة دور النشر المشاركة بمعرض مسقط الدولي للكتاب، والمعرض العربية، والأجنبيّة، ولاننسى دور المؤسسات، كالنادي الثقافي الذي أطلق  عام2009 المشروع الوطني لدعم النشر المتمثّل بطباعة مائة كتاب سنوياً " استلهاماً من الإنجازات المعرفية والفكرية العمانية على مدى التاريخ ومكافأة للطموح، والتطلعات التي رسختها النهضة المعاصرة منذ بداياتها وتماشياً مع النقلة التعليمية، والمعرفية التي تم تحقيقها في أكثر من مجال "، كما أعلن سعادة سالم المحروقي الذي كان رئيسا لمجلس إدارة النادي، وكان المشروع إحدى توصيات الحلقة التي أقامها النادي في فبراير عام2009 م، لمناقشة المشكلات التي تعانيها طباعة الكتب العمانيّة .

وقد لاحظ زوّار معرض مسقط الدولي للكتاب 2016 صدور أكثر من 200عنوان جديد لكتّاب عمانيين في مختلف مجالات المعرفة الإنسانيّة، من تاريخ ،وعلوم دينيّة، وشعر، وقصة، ورواية، وإعلام، وعلوم تطبيقيّة،وبحوث، ودراسات علميّة، ورسائل أكاديميّة، ودخل الكاتب العماني مجال الكتابة الموسوعية ،فأنتج "موسوعة عمان"، وقبلها موسوعة "أرض عمان"،إلى جانب موسوعة السلوى في تاريخ نزوى "للباحث محمد بن عبدالله بن سعيد السيفي، وهناك مشروع لاصدار موسوعة عن مدينة صور، وأصبحت الكتابة للأطفال من ضمن اهتمامات وابداعات الكاتب العماني الذي يسعى من كلّ ذلك إلى  المساهمة في المسيرة الثقافيّة، والفكريّة، من خلال إصراره أن يكون لكتابه حضور في معارض الكتب، وهكذا شقّ الكتاب العماني طريقه، ليصل إلى يدي القاريء العربي، وتجاوز الكاتب صعوبات النشر، وأصبح كتابه يجد طلبا لطباعته، ونشره من قبل  دور نشر محلية، وعربية.

ومعظم هذه الجهود شخصية، مع الإشارة إلى وجود دعم، رغم محدوديته ، من بعض الجهات الحكومية والقطاع الخاص ،والمكتبات ، ودور النشر الخاصّة، ومع تسرّع بعض الشباب في طباعة نتاجهم دون مراجعة ، وتدقيق، رافقت هذا الحضور، جودة فنيّة، وتطور في صناعة الكتاب مادة، وطباعة، ونشرا، وحتى أنّ بعض المؤسسات التي كانت تنتهج الأساليب التقليديّة  في نشر الكتاب أصبحت تتوجه بكتبها إلى القاريء وفق معطيات النشر الحديثة، كما أنّ عددا من الكتب الورقية صدرت مصحوبة بنسخ الكترونية، بما يؤكّد وجود نشاط ملحوظ في نشرالكتاب الالكتروني، وكلّ هذه الجهود وضعت للكتاب العماني، الذي هو  فلج ورقي متدفّق بالعطاء المعرفي، حيّزا يشار له بالبنان في خزانة الكتب  العربيّة.

شاهد أيضاً

هبة حسين تكتب: شريحة إلكترونية فى الدماغ

عدد المشاهدات = 827هل يمكن فى المستقبل أن نحمل جميع بياناتنا وأدواتنا الشخصية داخل أجسادنا؟ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.