الخميس , 11 ديسمبر 2025

عادل عبدالستار العيلة يكتب: استراتيجية “تعطيل المراكب السايرة”

= 10340

​لقد أراد الله عز وجل أن يرسل لنا دليلاً بعد دليل على حقيقة مُرّة: هي حماقة، أو ربما سوء نية، أولئك الذين يحاولون خداعنا تحت شعارات الوطنية أو حتى الدين. في كل مرة نظن أننا تجاوزنا سطحية القضايا، يأتينا دليل جديد يؤكد أن هناك نهجاً ممنهجاً يسعى لسحب عقولنا من النور إلى الظلام، ومن الجوهر إلى الهامش. السؤال ليس: لماذا ينتقدون ؟ بل لماذا يصرّون على إفساد الجمال والإلهاء عن الأهم؟ ولننظر جيداً إلى الدليل الجديد :

​حين يترك هؤلاء كل الجمال والسكينة الروحية في برنامج (دولة التلاوة) ثم يتحدثون عن ضرورة تغيير مقدمة البرنامج (المذيعة)، هذا يعني أنهم يتعمدون عن قصد أو عن جهالة (وهذا أخطر) أن يدفعونا لترك المهم والاهتمام بالسفاسف. أن نترك الأصل ونهتم بما لا يُهتم به!

​هذا يذكرني بقصة حكاها سيدنا الشيخ الغزالي حين ذهب لقريته فوجد عمدة القرية يريده، وحين ذهب إليه وجده يسأله في وجود الحضور عن حكم الغناء. حينها قال له الشيخ الغزالي: “تسألني عن هذا وأنت أخذت أرض فلان بربع الثمن لأنه كان مضطراً كي يعالج نفسه بثمن الأرض من مرض الكبد؟” ثم تركه وذهب.

​هؤلاء مُصمّمون أن يأخذوا عقولنا إلى القبح والنزاع وخلق الخلاف والجدال حتى لا نركز في الأصل والأهم والأجمل. ونظل نتحدث ونتجادل في أمر هامشي، والهدف فقط هو وكما يقول المثل الشعبي: “تعطيل المراكب السايرة”.

​إذا ركزنا ولاحظنا، سنجد أن هذا النهج أصبح ملحوظاً للغاية وكأنه وسيلة جديدة متعمّدة أو كأنه برنامج عمل يتم تنفيذه بحرفية عالية، ليفسدوا به أمورنا ويفسدوا به عقولنا.

​حين تجدهم تركوا كل الإنجاز وكل الجمال وكل الفخر في مؤتمر شرم الشيخ الأخير وتحدثوا عن تأخر سماعات الترجمة لثواني معدودة، هذا يعني أنهم يريدون أن يفسدوا كل فرحة يمكن أن نشعر بها. يا رجل! تركت كل شيء في المؤتمر ولم تهتم إلا بتأخر سماعة الترجمة لثواني! تركت فلسطين وعشرات الألوف من القتلى في غزة وقدوم رئيس أمريكا إليك، تركت كل هذا ولم يشغلك إلا الهيافة مثلك ومثل تفكيرك أيضاً.

​هذا يذكرني أيضاً بإحدى السيدات جاءت إلينا في جلسة علاج زواجي تشكو من زوجها. تقول: “زوجي محترم، وكريم، ومهندس، ووضعه المالي رائع، وطيّب، وحنون، ولكن مشكلتي معه إنه حين يأكل، يأكل بالشوكة، وأنا أحب أن يأكل عادي مثلي!”

​فقلت لها: “تركتِ كل تلك المميزات ولم ترين إلا هذا الأمر البسيط جداً لدرجة أنك تأتين وتكلفين نفسك اموالا ووقتاً كي تشتكي منه؟! يا سيدتي أنتِ مظلمة من الداخل، لذلك تركتِ كل النور ولم تستطيعي رؤيته، ورأيتِ فقط الظلام الذي اعتدتِ عليه داخلك.”

​نعم، هؤلاء يشبهون تلك السيدة. إن النور داخلهم قد انطفأ فلا يرون إلا الظلام، ويريدون لنا أن لا نرى إلا الظلام مثلهم

​أخيرا أقول .. قد تبدو قصة زوجة المهندس والشوكة، أو تأخر سماعة الترجمة في مؤتمر دولي، أو حتى محاولة تغيير مذيعة برنامج ديني ناجح، مجرد أحداث متفرقة. لكنها في الحقيقة قطع من أحجية واحدة، تهدف إلى دفعنا جميعاً إلى بؤرة النزاع السطحي. هذا السلوك يشبه تماماً تلك السيدة التي تركت كل النور في حياتها الزوجية ولم تستطع رؤيته، لأنها اعتادت على الظلام بداخلها.

هؤلاء يحاولون إطفاء النور بداخلنا كي لا نرى الجمال والإنجاز والحقيقة. إن المعركة الحقيقية اليوم ليست حول التفاصيل الهامشية، بل حول قدرتنا على حفظ عقولنا سليمة ومُركّزة على الأصل والأهم والأجمل. فلنحفظ برامجنا التي تبث النور، ولنحفظ عقولنا من هذا التخطيط الممنهج للإلهاء. حفظ الله مصر وشعبها من ظلام الإلهاء والجدال ، وحفظ الله برنامج ( دولة التلاوة والقائمون عليه).
حفظ الله مصر … ارضا وشعبا وجيشا وأزهرا

———————————————————————–
* كاتب صحفي… جريدة حياتي اليوم

شاهد أيضاً

عزة الفشني تكتب: خلف شاشة الظلام: استغلال وجرائم بلا سلام

عدد المشاهدات = 2582 الشبكة العنكبوتية التي وعدتنا بالإتصال والحرية. تخفي في طياتها عالماً آخر. …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.