السبت , 18 مايو 2024

د.علا المفتي تكتب: “ريشة أم غصن؟!”

= 1250

في رحلة الحياة، نقابل دوما أفراحًا وأتراحًا. نفوز تارة ونخسر أخرى. أو نفقد أحباءنا أو نكسب ثروات. قد نمرض ثم نبرأ، أو نعيش معذبين بمرض عضال، قد تقع علينا المصائب، وقد ننجو من كوارث محتومة.

لقد كُتِب علينا أن نواجه أقدرًا متنوعة، بعضها حسن والبعض الآخر سيء. فإذا حل قدر حلو طرنا فرحا، ناسين كل حزن وألم. أما إذا نزل بنا قدر مر، جزعنا وفزعنا وأصابنا اليأس والقنوط، فطبيعة البشر يملؤها الضعف.

وقد قال تعالى في وصف الإنسان “إن الإنسان خلق هلوعا * إذا مسه الشر جزوعا * وإذا مسه الخير منوعا * إلا المصلين * الذين هم على صلاتهم دائمون” (سورة المعارج، الآيات 19 : 23).

وبتأمل هذه الآيات القرآنية في وصف خلق الإنسان، وعلاقته بالأقدار، وردود أفعاله نحوها، نجد أن هناك فئة مستثناة من هذا الوصف، وهم فئة المصلين المحافظين على صلاتهم. فهؤلاء في اتصال روحي دائم مع الله، خالق الأقدار، حلوها ومرها، خيرها وشرها. وهم من علموا حد اليقين، أنه من العبث كل العبث، معاندة الأقدار. فالأقدار لا يمكن تغييرها، إلا بالابتهال والدعاء إلى خالق هذه الأقدار، فهو الوحيد القادر على تغييرها أو تبديلها أو منعها.

إن هذه الفئة المستثناة التي حدثتنا عنها الآيات الكريمة، قد نالت نعمة السكينة، ووهبت طمأنينة القلوب، لأنها أدركت بعقولها وقلوبها وبصيرتها، أن ما يكمن خلف الأقدار على تنوعها ما هو إلا خير لها، فوعت قول الله تعالى “وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون” (سورة البقرة، الاية 216).

لقد خلقنا الله خلقنا بديعا، فوهبنا من المرونة والقدرة على التغير، والتكيف والتأقلم الكثير، كي نستطيع مواجهة أقدارنا سلبية كانت أم إيجابية، بطريقة تحمى ذواتنا من الانهيار. خلقنا الله وأمدنا بالقدرة على مواجهة موجات الحياة، ومفاجآتها وعثراتها وتقلباتها. لكن الإنسان في كثير من الأحيان مع الأسف، يعجز عن اكتشاف مثل هذه القدرات، التي تساعده على مواصلة الحياة، فيعيش مكتئبا يائسا، أو كارها لحياته ناقما عليها، أو قد يحاول إنهائها بنفسه فيخسر دنياه وأخراه.

إن الأقدار اختبارات دنيوية، نجتازها بسلام فقط عندما نتقبلها، متيقنين أنها تحمل خيرا خفيا. ففي التسليم بالقدر نجاة. والتسليم بالقدر لا يتأتى إلا بالتناغم مع أحداث الحياة، فلا نفرط في الفرح، إن وهبنا قدرا جميلا، ولا ننغمس في الحزن، إن أصبنا بآخر قبيح. فيجب أن نواجه الأقدار بالتكيف معها، لا بعنادها أو محاولة الهروب منها. لذا علينا أن نتحلى بذكاء الريشة، عندما تقابلها الرياح. فهي ترحل معها في كل مكان، دون عناد، حتى تهدأ العاصفة وتستقر الريشة في مكان آمن. بعكس غصن الشجرة، الذي سرعان ما ينكسر، عندما يصر على الوقوف صلبا أمام الريح.

والآن يا صديقي، حاول أن تقيم ردود أفعالك، تجاه ما واجهته في حياتك من أقدار، وأسأل نفسك هل كنت ريشة أم غصنا؟

———–

* مدرس أدب وثقافة الطفل بكلية البنات – جامعة عين شمس

شاهد أيضاً

إنجى عمار تكتب: التحلي والتخلي

عدد المشاهدات = 1614 نقطة واحدة فارقة كالحجر الصوان ارتطم بها رأسنا لنعيد اكتشاف أنفسنا. …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.