هي امرأة لافتة بحضورها؛ رقيقة القلب، جميلة في حديثها وتعاملها مع الجميع. التقيتُها في معرض الكتاب وهي توقّع إصدارها الأول الذي يروي رحلتها مع تحدٍّ صحي خاص، وكيف استطاعت تجاوز صعوباته لتعيش حياة طبيعية متوازنة.
لم يخطر ببالي أن قصتها تحمل هذا العمق، إلى أن شاهدتُ مقابلة لها عبر منصة «إنستغرام» كشفت خلالها تجربتها مع الذهان، من لحظة التشخيص وما رافقها من معاناة داخلية، وصولاً إلى مرحلة السيطرة والتعافي بفضل المتابعة الطبية والعلاج المناسب. الذهان هو مجموعة من الأعراض التي تظهر عندما يختلّ التواصل بين العقل والواقع، فيبدو الشخص كأنه يعيش في عالمين: عالمٍ حقيقي يراه الجميع، وعالمٍ آخر يراه هو وحده.
كثيراً ما نسمع عن شخص مصاب باضطراب نفسي، فنفترض تلقائياً أنه مرّ بتجارب قاسية أو ظروف معيشية صعبة أوصلته إلى هذه الحالة، لكننا نغفل عن صراعه الداخلي مع اضطراب التفكير والمشاعر والسلوك، وهو اضطراب يؤثر مباشرة في تفاصيل حياته اليومية.
لطالما روّج البعض لفكرة أن الذين يصارعون اضطراباً عقلياً محكوم عليهم بأن يعيشوا في عالمٍ منفصل لا يعودون منه، غير أن الواقع يؤكد أن العلاج المتخصص للذهان قادر على السيطرة على الأعراض، وتمكين المريض من العودة إلى حياة طبيعية ومتوازنة.
والأهم أن مريض الذهان قادر على استعادة كامل أهليته وحياته الطبيعية إذا حظي بتدخل مبكر ورعاية علاجية متخصصة تُعيد إليه توازنه وثقته بذاته.
وفي الختام، يبقى الذهان حالة يمكن احتواؤها والسيطرة على أعراضها، ما دامت تُقابل بالوعي لا بالخوف، وبالتفهم لا بالأحكام. فالمرض النفسي ليس وصمة، بل رسالة يستغيث بها العقل ليُسمَع، تماماً كما يستغيث الجسد عند الألم. ومن واجبنا أن نمنح هذه الرسالة عناية مُحكمة تنبض بالمسؤولية والرحمة، لنفتح أمام المصاب باباً لحياة أكثر اتزاناً وأملاً.
——————————————————
* كاتبة ومدربة في مجال الأسرة والأبناء – دولة الإمارات.
حياتي اليوم صحيفة إلكترونية يومية