أن تدخل قلعة صلاح الدين، يعنى أن تعبر بوابة الزمن لتقف فى حضرة أحد أعظم معالم مصر الإسلامية هناك، حيث شُيّدت الأسوار لتصون القاهرة، وحيث يتلألأ مسجد محمد على كتحفة معمارية تتحدى القرون، يتهيأ لك أنك أمام صفحة من المجد الذى لا يزول.
لكن سرعان ما يتبخر هذا الانبهار، وتتحول الزيارة إلى رحلة صادمة، تكشف حجم التناقض بين عظمة المكان وواقع الحال.
الإجراءات الأمنية تبدأ منذ اللحظة الأولى: تفتيش دقيق للسيارات، ترك البطاقات، ورسوم دخول ليست بالقليلة، خمسون جنيهًا للفرد ومائة وخمسون للسيارة، ثم مسافة طويلة لاجتيازها أو دفع مقابل ركوب «الجولف كار» ورغم كل هذه الضوابط المُشددة، فإن الداخل لا يشعر بالأمان، ولا بالهيبة التى تليق بالمكان.
فور الدخول، يشاركك الجولة أكثر من خمسين كلبًا ضالًا يتجولون بلا رقيب، وكأن القلعة صارت موطنهم لا مزارًا أثريًا عالميًا.
وبينما تحاول الاستمتاع بالمكان، يفاجئك شباب بملابس تثير القلق، يطاردون السياح لبيع أغطية ورقية للأحذية بعشرة جنيهات لدخول المسجد، فى مشهد أشبه بالابتزاز يسىء لصورة مصر أكثر مما يفيدها.
ثم ترفع عينيك إلى أعلى، لتتلقى صدمة أشد وقعًا: أبواب خشبية مخلوعة ومُلقاة بإهمال فى الطرقات، زوايا مُهملة لم تمتد إليها يد الترميم، وجدران متهالكة تستغيث من وطأة الزمن بلا استجابة. مشاهد تجعل السائح يخرج من القلعة مُثقلاً بالخيبة، بدلًا من أن يخرج مبهورًا بعظمة المكان.
قلعة صلاح الدين ليست مجرد موقع أثرى، إنها رسالة للعالم عن من نحن، وعن حضارتنا التى علّمت الدنيا. فهل يجوز أن نترك هذه الرسالة مُشوهة، يغطيها الغبار ويمزقها الإهمال؟
التاريخ يصرخ من قلب القلعة: أنقذونى قبل أن يضيع الباقى. فهل يسمع المسئولون هذا الصراخ، أم أن الإهمال سيظل سيد الموقف، حتى نفقد أحد أهم معالمنا تحت أنقاض اللا مبالاة؟
—————————–
* كاتبة المقال مدير تحرير أخبار اليوم.