الإثنين , 29 سبتمبر 2025

داليا جمال تكتب: التقنين العينى.. يرضى الجميع

= 409

ما إن طرحنا فى مقالنا السابق ضرورة تطبيق قرار التقنين العينى على كل أراضى الجمهورية لحائزى أراضى الدولة، على أن يكون التعامل مباشرًا بين المواطن وهيئة المجتمعات العمرانية، حتى ظهرت أصوات المنتفعين بمقترحات ظاهرها «التيسير على الدولة» وباطنها «التربح والاستغلال». فقد طالبوا بأن تُخصّص ٥٠% من مساحة الأرض لشركات تضم بعض الملاك، على أن تُسلّم هذه الأراضى بلا مرافق، لتظل ذريعةً يستمر بها السماسرة فى التحكم بمصير الملاك البسطاء. وهكذا يجد المواطن نفسه مجرد تابع بلا قرار، أسيرًا لشركات وقياداتها، بدلًا من أن يكون شريكًا حقيقيًا فى تنمية الأرض.

الأصل أن الدولة حين أصدرت قرار التقنين العينى بتخصيص ٧٥٪ من الأرض لهيئة المجتمعات العمرانية وترك ٢٥٪ لحائزى الأرض، كانت تسعى إلى تحقيق معادلة عادلة: إنهاء النزاعات القائمة، واستثمار الأراضى بما يخدم المخطط العمرانى، وفى الوقت نفسه مراعاة البعد الاجتماعى وإعطاء من التصق بالأرض نصيبًا مشروعًا. لكن مع الأسف، حين فُرض أن يكون التنفيذ عبر شركات لا أفراد، انحرفت التجربة عن مسارها. وتجربة أكتوبر الجديدة خير شاهد؛ فالشركات هناك عجزت عن دفع المستحقات، ولم تتمكن من سداد المليارات المطلوبة، ولم تجد مطورين يتولون البناء ما دامت الرسوم والمصروفات الإدارية بمئات الملايين معلقة، فتحولت إلى عبء على الدولة، بينما ضاع حق الملاك الأصليين.

ولم يقف الأمر عند العجز المالى، بل إن الملاك أُجبروا على الانضمام لشركات لا يملكون أدوات إدارتها، وتحوّل بعض رؤساء هذه الشركات ومجالس إدارتها إلى سماسرة جدد يفرضون شروطًا مجحفة. فمنهم من ألزم الملاك بدفع مبالغ سمسرة خيالية، ومنهم من انتزع الأرض مقابل وعود بقطع صغيرة «مرفقة وجاهزة للبناء»، ومنهم من فرض إتاوات لصالحه هو لا لصالح الدولة. وفى النهاية، لم تُسدّد هذه الشركات حقوق الدولة، ولم تُحقق للملاك ما وُعدوا به، فكانت النتيجة أن خسر المواطن أرضه وحقه وكرامته فى آن واحد.

اليوم، ومعالى وزير الإسكان أمامه فرصة لإعادة الأمور إلى نصابها: الحل العادل يكمن فى العودة إلى جوهر القرار، أى تطبيق التقنين العينى للأفراد مباشرة، بحيث يكون التعامل بين هيئة المجتمعات العمرانية وكل مالك على حدة، بلا وسطاء ولا شركات. عندها تستطيع الدولة أن تُخطط وتُنفّذ وفق مخططاتها العامة، وأن تُلزم كل فرد بالمعايير ونوعية البناء، لكنها فى الوقت نفسه تضمن أن يُعامل المواطن كشريك حقيقى لا كرقم تابع داخل شركة لا تمثله.

والأهم أن الحل العادل لا يتحقق إلا بتعامل الدولة مع حائزى الأرض كأفراد مباشرة، دون وسطاء، فهؤلاء المواطنون الذين انتظروا أكثر من خمسة وعشرين عامًا لتحقيق التقنين، يقبلون بالحل طالما سيُطبق على الجميع دون استثناءات أو مجاملات. عندها فقط تُعاد الثقة بين الدولة ومواطنيها، ويستقيم ميزان العدالة.

——————-
* كاتبة المقال مدير تحرير أخبار اليوم.

شاهد أيضاً

عزة الفشني تكتب: كيف يقابل الكرم المصري بالنكران السوري؟

عدد المشاهدات = 580 بعد أن فتحت مصر ذراعيها لإستضافة الآف السوريين الفارين من الحرب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.