الخميس , 16 مايو 2024

خلود أبوالمجد تكتب عن: مجتمع الشعارات!

= 1557

Kholod Abulmagd 2


دي بنت بمليون راجل…

هكذا بالعادة تبدأ القصة…قصة تلك الفتاة التي تتحمل المسؤولية فتجد نفسها تحمل كل مشاعر وملامح الأنوثة، ممتزجه بكثير من صفات الرجولة، لكن حينما تخطأ لا يتذكر مجتمعنا سوى أنها أنثى لا يصح لها الكثير من الأفعال التي حرمها الشرع على الجنسين وأحلها مجتمعنا للرجل.

فبعد كل الانفتاح الذي نعيشه اليوم والتكنولوجيا التي جعلتنا نقيم في بيوت بعض البعض عبر كل تلك التطبيقات المنتشرة على وسائل الاتصال الذكية، إلا إن الكثير من العقول مازال لديها تلك النظرة القاصرة للمرأة، ويكتفون بالنظر إليها على أنها أنثى تثير رغبات ومشاعر الرجل لا أكثر، بل نصدم حينما نقابل تلك العقول التي لازالت تراها الإناء الذي ينجب الأولاد فقط.

لماذا نعيش هذه الازدواجية اللعينة في عقولنا، ولا نحترم هذا الكيان الفاعل في المجتمع، حتى أن الكثير من هذا الجنس الناعم تمكن من تحقيق عدد من النجاحات فاقت نجاحات الرجل، بل أننا في بعض الدول مازلنا نناقش أهليتها للعمل في كثير من المجالات التي يعلق عليها لافتة (للرجال فقط)، على الرغم من أن هذا الفيلم الجميل الذي يحمل نفس الشعار، وقامت ببطولته فنانتان متفجرتا الجمال والأنوثة هما سعاد حسني ونادية لطفي، انتج من أجل دحض هذه الفكرة العقيمة في ستينيات القرن الماضي، إلا أن مجتمعنا أبى التخلي عن الفكرة، التي تظهر وتختفي عند البعض بحسب الغرض منها، فأكثر قصص الحب الفاشلة والتي عادة ما تكون ضحيتها تلك الفتاة التي ظنت بأن الرجل الذي أمامها ذي عقلية متفتحة، رافضه تصديق تلك النظرة الغريزية القاصرة التي يملكها غيره تجاه المرأة، لتجد نفسها بعد استسلامها لمشاعرها تقع على صخرة الواقع الأليم، ويسقط ذاك اقناع الذي ارتداه ليصل لمبتغاه ويهرب.

وما العيب الذي اشتعلت على إثره صفحات التواصل الاجتماعي اليوميين الماضيين في أم وجدت نفسها في خضم عملها يغلي كيانها خوفا على ولدها الذي يلعب بين أقرانه مستمتعا في حضانته لحين موعد وصول أهله لاصطحابه للمنزل، فما كان منها أن حملته على خاصرتها أثناء أداء مهمتها في العمل، ولم تخجل ولم تخش من انتقادات من حولها، والتي أكاد أجزم بأنها نالت منها الكثير أثناء التصوير حتى قبل أن تنتشر الصورة، التي أفتى وأكد البعض أنها ستكون سبب في فقدانها عملها فيما بعد، حال وصولها لمسؤوليها.

فما كان لهذه الصورة لمراسلة الأخبار لمياء حمدين إلا أن جعلتها من أشهر الأمهات العاملات في مصر، وهي بالفعل تستحق ذلك لحرصها أداء مهمتها كأم أولا إلى جانب عملها، وأيضاً تعالت بسببها الأصوات بين المستهزئ والمشجع لها على إقدامها بهذا العمل، ليظهر على السطح شعار وقت اللزوم ( دي بنت بـ100 راجل).

لكن استغرابي وسؤالي لمن وجه اللوم واستهزأ من هذه المرأة القوية المكافحة، ألم يكن لك أم في يوم من الأيام اضطرتها الظروف للخروج للعمل وتركتك بالمنزل أو صحبتك معها لمقر عملها، معرضة نفسها لخطر الفصل من عملها في حال اكتشاف مدراؤها بأنك تلعب بين المكاتب لحين انتهاء والدتك من العمل؟

وهنا أذكر أن والدتي في بضع سنوات اضطرتها الظروف النزول لساحة العمل في محل كنا نبيع فيه الزهور والهدايا حرصا منها على مال زوجها وأولادها الذي يمكن أن يسرق بحسب المثل القائل ( المال السايب يعلم السرقة)، وذلك كان لعدم تفرغ والدي لمتابعة شؤون العمل فيه، لتتحول والدتي تلك السيدة التي تربي الأولاد طيلة خمسة عشر عاما لمرأة عاملة تتعامل مع كافة الأشكال والأصناف من البشر سواء من الزبائن أو من العمال والموردين للبضائع، واكتسبت شهرة كبيرة في ذاك الوقت بتعاملها السمح مع الجميع حتى أنها كونت صداقات مع زبوناتها من السيدات اللاتي يذهبن إليها لأخذ الهدايا لأزواجهن أو لأحبائهن..

 وكثيرا ما كنا نذهب معها في العطلات أو حتى في الأوقات التي تضطرها الظروف فيها لذلك على الرغم من كبر أعمارنا حينها، وكنا نستمتع ونحن نستمع لقصص تلك النسوة التي حمل بعضها كثير من مشاعر الحب والفرح، وبعضها الآخر كان يسكنه الشجن والحزن، وأذكر أنني وأخي كنا نساعد في إضفاء بعض اللمسات على باقات الزهور أو تغليف الهدايا المبتكر، وهو ما فجر لدينا طاقات ذهنية كبيرة في البحث الدائم عن الجديد لضمان نجاح والدتنا فيما تقوم به من عمل، سيعود مردوده في النهاية على العائلة كلها وليس عليها هي فقط، فنجاحها بالنسبة لها كان كأي أم، من نجاح البيت كله، ولم يؤثر هذا على الإطلاق على تحصيلنا العلمي، بل أتذكر جيداً أننا في تلك الأعوام حصلنا على علامات دراسية أفضل لحرصنا على التأكيد للجميع وفي أولهم والدي الذي كان كأي رجل شرقي رافضا لفكرة نزولها للعمل أنها لم تقصر في واجباتها المنزلية.

وأتساءل منذ ذاك الحين وحتى الآن، إلى متى سيظل هذا التناقض واضحا وظاهرا في شخصية مجتمعنا الشرقي، الراغب والمطالب بالمساواة بين الرجل والمرأة، وينادي بشعارات لا يؤمن بها؟

فتارة يرغب بمشاهدتها إلى جانبه في المجتمع تعمل وتشقى وتتحمل المسؤولية، وفي أحيان أخرى لا يراها سوى ربة المنزل التي تربي الأولاد؟ فالمرأة لديه بـ100 رجل وقت اللزوم، ولا تساوي سوى غريزته وقت اللزوم أيضا؟

————————————–
صحفية مصرية مقيمة بالكويت.

logo - Smallest

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: الاحتلال بالأفكار وليس بالسلاح (١)

عدد المشاهدات = 2733 التاريخ يؤكد أن جميع القوى العظمى التى احتلت غيرها من الدول …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.