حياتي اليوم صحيفة إلكترونية يومية
بقلم: الشيخ محمد راتب النابلسي
أيها الأخوة الأكارم : نقطة دقيقة في الرزق قد لا نلتفت إليها ، سماها بعض العلماء : الرزق السلبي ، والرزق الإيجابي ، فالرزق السلبي ربنا جل جلاله قد يحفظك من نفقات كثيرة لا طائل لها ، إذا وفر عليك بعض النفقات فكأنه رزقك رزقاً ليس ملحوظاً لديك، فحينما تنفق المال في الطعام والشراب والكساء لا تنفقه في إتلاف ما فسد ، ولا في إصلاح ما اختل ، فهذا رزق سلبي.
لو أن الله عز وجل فتح على الإنسان النفقات قد لا يحتملها ، وقد ينوء ظهره بحملها ، وقد يعجز عن دفعها ، وقد يبيع بيته من أجل سدادها، فهناك عاهات وعاهات ..
حدثني رجل أن ابنه لم يزل في العاشرة من عمره أجرى له تسع عمليات جراحية، كلفته مبالغ طائلة ، فحينما يهبك الله غلاماً سليماً صحيحاً معافى ، فهذا رزق سلبي.. حينما لا تشكو شيئاً في جسدك هذا رزق سلبي.
حينما يحفظ الله مالك هذا رزق سلبي ، فيجب أن تشكر الله مرتين ، أن رزقك مالاً ، وأن حفظك من نفقات أنت في غنى عندها .
وهناك قصة تروى عن صديق مداوم على صلاة الفجر في المسجد مع ثلة من الجوار ، حيث تنشأ بينهم علاقة متميزة لقلة عددهم . حدثني مرة أنه لدى خروجهم من المسجد ، اقترب منه أحد المصلين الذي قارب منتصف التسعينات من العمر ، ومازال مواظباً على صلاة الجماعة ، ومتمتعاً بحواسه وتفكيره بفضل الله ، وبادره قائلاً : “مبروك الخمسين ألف ليرة يلي أجوك اليوم ” .
دُهش صاحبنا ، ورد عليه باستغراب : الله يبارك فيك . فعاوده الرجل قائلاً ” يمكن بتقول شوصرلي عم خبص ، بس أنا عرفان شو عم قول ، إنت اليوم إجاك خمسين ألف ليرة ” ثم تابع قائلاً :” اسألني كيف ” .
“لو لاسمح الله ، الله بعتلك شي مرض اليوم الصبح واضطريت تروح عالمشفى ، مابدك تدفع شي خمسين ألف للمعالجة ” فالله ماحاجك للمشفى ، وصرف عنك هالمرض ، وبالتالي ربحت اليوم خمسين ألف ”!
سبحان الله … فهم شفاف عن رب العالمين ، ومفهوم هام وخطير يغفل عنه الكثيرون منا ، مفهوم الرزق السلبي .
كل بلاء يدفعه الله عنّا يُترجم لمال ورزق بقي في صندوقنا ولم يخرج منه ، وبالتالي فهو كسبٌ سلبي ….
بارك الله لنا في أرزاقنا إيجابية وسلبية ، ورزقنا الفهم عنه والرضى بماقسم لنا .
